التاريخ: 06/05/2014
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى الرسل أجمعين، صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد، نائب القائد الأعلى، نائب القائد الأعلى، النائب الأول لرئيس مجلس وزراء، أصحاب السمو والفضيلة والسموحة والمعالي، الأخوة والأخوات الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لابد لي بداية من أن أعبر باسم منظمة التعاون الإسلامي عن التقدير والثناء على تبني مملكة البحرين عقد هذا المؤتمر حول "حوار الحضارات والثقافات في خدمة الإنسانية" برعاية كريمة من صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، حفظه الله. ويأتي هذا المؤتمر امتداداً لجهود مملكة البحرين بقيادة جلالته ومبادراته إلى الحوار ونبذ الكراهية والتطرف والتعصب الفكري والعرقي والديني، والتي بدأت بمؤتمر الحوار الإسلامي – المسيحي عام 2002، ومؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية عام 2003، ومنتدى الحوار بين الحضارات عام 2008، وذلك بمشاركة نخبة من رموز السياسة والفكر والثقافة والاجتماع والاقتصاد والإعلام. ومنظمة التعاون الإسلامي تدعم وتساند المبادرات التي تدعو وتسهم في فتح قنوات الحوار والتقريب بين الثقافات واتباع الديانات على امتداد العالم والتي تؤكد على القيم والمبادئ التي تمثل إنسانيتنا وأدميتنا وتبني على المشترك بيننا. كما تعمل المنظمة على أن تصبح كل مبادرة للتقارب والتعايش والتسامح إضافة نوعية وخطوة جديدة على هذا الطريق. ولاشك أن رؤية هذا المؤتمر المتمثلة في البحث عن كيفية أن يكون الحوار أداة لتحقيق السلام والطمأنينة وخدمة الإنسانية ومُثُلها وأخلاقها ستبلور، بإذن الله، إضافة نوعية على هذه المسيرة. وموقف المنظمة الراسخ هو أن المنطلق الجوهري لأي حوار ناجح بين الحضارات والثقافات واتباع الديانات لابد وأن يتأسس على مبدأ الاعتراف المتبادل من المتحاورين بعضهم ببعض، وهو ما يتطلب الابتعاد عن أي تحيز أو استعلاء وفوقية، والنأي بالنفس عن الأفكار النمطية والمواقف الازدرائية؛ لأن من شان أي سلوك من هذا القبيل أن يقوّض الحوار ويجهضه من البداية، خاصة في ظل تداعيات العولمة الجارفة ومتغيراتها الطاغية التي اخترقت الحدود وقلصت المسافات وتركت بصماتها الواضحة على المفاهيم والرؤى الخاصة بالثقافة والهوية وغيرها من مكونات وجود الإنسان المعاصر وعلاقته بذاته، وبواقعه، وبالآخر. وتجد منظمة التعاون الإسلامي في الدفع بوعي جماعي يحول دون أن تؤدي هذه العولمة إلى غلبه فكر واحد أو ثقافة بعينها. وفي سعي المنظمة إلى تعزيز الحوار كانت ممن سبقوا إلى الدعوة للحوار بين الحضارات. كما كانت من أوائل من وضعوا هذه القضية على جدول أعمال الأمم المتحدة عام 1998؛ ليكون الحوار رداً متمدنا وموضوعياً على القائلين بصدام الحضارات. وقد لقيت تلك المبادرات تأييد الجمعية العامة للأمم المتحدة التي خصصت عام 2001 كعام لحوار الحضارات في كل أرجاء العالم. ولطالما أكدت المنظمة أن التعدد والتنوع يشكلان فرصة لتفتّح الحضارات والثقافات بعضها على بعض في حوار تفاعلي من شأنه إغناء وإثراء الحضارة الإنسانية عامة. ومن المؤكد أن الثقافة والمدنية الإسلامية بما تحمله من رسالة سامية، وبإسهامها المؤسس والمتجذرفي التراث الإنساني، وبما يحمله الإسلام من قيم التسامح والرحمة والإحسان والعدل والمساواة والسلام والتعددية، وجعله الاعتراف بما سبق من رسالات ومن سبق من رسل من شروط الإيمان – ستكون ركناً أساساً في أي حوار بين الحضارات والثقافات والمجتمعات واتباع الديانات. وهنا لابد أن نقف لنقول إن أولئك المتطرفين الذي يسعون لاختطاف الإسلام، ويعملون على تشويهه ويرتهنونه داخل مفاهيمهم الإقصائية العشوائية البائسة هم سفهاء الإحلام وليسوا بحال ممثلين للإسلام، إن اختطاف الطالبات، وتدمير الممتلكات، وأعمال العنف لا تقدم عليه سوى مجموعات متوحشة، أوصلتها غربتها، وجهلها إلى الفحشاء والمنكر والبغي وجردتها ليس فقط من إسلامها بل ومن إنسانيتها، والإسلام والمسلمون منها براء. وفي ذات الوقت، فإن منظمة التعاون الإسلامي تقف بقوة في مواجهة التصعيد الخطير لظاهرة الإسلاموفوبيا حيث يتم تشويه صورة الإسلام والمسلمين والتخويف من الإسلام، وتصوير الإسلام على أنه العدو الجديد للغرب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونظامه الشيوعي، ويتم التنكر للإسلام كمكون تاريخي وجزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والوطني في بعض المجتمعات. وتكشف هذه الممارسات عن صراع عميق بين قيم التقارب وتوجهات الرفض في مجتمعاتها، فنجد إنه في الوقت الذي تسعى فيه ميانمار لتحقيق الديمقراطية تعاني الأقلية المسلمة هناك من أسوء صور التمييز والعنف لتشير بوضوح إلى تصاعد تيار التطرف البوذي في ذلك البلد، الأمر الذي أقلق بعض الزعماء الروحيين البوذيين أنفسهم الذين اعتبروا أن ما يحدث في ماينمار يعد انتهاكاً صريحاً لتعاليم البوذية التي تقول بأن من الخير يأتي الخير، ومن الشر يأتي الشر، وتنبذ الكراهية وتدعو إلى السلام والرحمة والحب. كما نجد أن زعماء سياسيين هندوس يسعون إلى زعامة أمة عظيمة متعددة في ألسنتها وديانتها ومشاربها السياسية لا يرون في قتل المسلمين أمراً يستوجب عطفاً أكثر من ذلك الذي يثيره دهس سيارة لجرو عابر. ومن المقلق حقاً أن نرى زعماء سياسيين في الغرب الديمقراطي الليبرالي يبشرون بفشل تعايش الثقافات في الوطن الواحد، ويذهبون إلى أن هناك مشكلة داخل الإسلام، وأن التطرف يجد بذوره من داخل الإسلام وأن هناك حرباً جوهرية على الغرب أن يخوضها بمشاركة من روسيا والصين اللتين تواجهان التهديد ذاته كما يدعي أمثال هؤلاء؟ ولا يخفى على أحد الأعمال الوحشية التي ترتكب ضد الفلسطينيين على يد المتطرفين الإسرائيليين الذين يرفعون راية الدين اليهودي دون وجه حق. أيها السادة، إن كانت بوكو حرام ليست من الإسلام في شيء، وإن كان اشين ويراتو لا يمثل البوذية، وإن كان من يدعو من زعماء الغرب إلى مواجهة دينية لا صلة له بالمسيحية، وإن كانت موشية فجلين هي واجهة التعصب المسيء لليهود،ية. وإن كانت القومية الهندوسية تجرد الديمقراطية من معناها، فإن مهمة مثل هذا المنتدى الداعي للحوار والمؤكد لضرورته وتعظيم أثره وفائدته على الإنسانية أن ينبذ التطرف أينما كان، ومن أينما جاء، وعلى لسان من كان. إذ لا مكان لمثل هذه التوجهات في عالم تقاربت أوصاله، وتشابكت مصالحه، والتقت قنوات تواصله. وأن يؤصل المؤتمر ويبرز ويؤكد القيم الإنسانية المشتركة التي تجمعنا بكل سحننا، وتعددنا وثقافتنا ومعتقداتنا وانتماءاتنا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.