التاريخ: 04/12/2012
صاحب المعالي الدكتور بويدينيو، نائب رئيس جمهوية إندونيسيا، صاحبة المعالي السيدة ليندا أماليا ساري غوميلار، وزيرة تمكين المرأة وحماية الطفل في جمهورية إندونيسيا أصحاب المعالي الوزراء، أصحاب السعادة، المندوبون الموقرون، حضرات السيدات والسادة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إنه لمن دواعي سروري العظيم أن أزور مرة أخرى مدينة جاكرتا الجميلة عاصمة أكبر بلدان العالم الإسلامي. فقد كانت زيارتي الأخيرة قبل بضعة أشهر بمناسبة الاجتماع التاريخي للدورة الأولى للهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان لمنظمة التعاون الإسلامي. واليوم أتشرف بمخاطبة الاجتماع الوزاري الرابع للمنظمة المعني بالمرأة. أرجو أن تسمحوا لي، معاليكم، بالتعبير عن شكرنا لكم وعبركم لحكومة إندونسيا ولإخواننا وأخواتنا في هذا البلد لما خصصتموه لنا من كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال. أصحاب المعالي والسعادة، حضرات المندوبين الموقرين، قبل أن أدخل في صلب موضوع هذا المؤتمر، أود أن أخبركم بأن منظمة التعاون الإسلامي قد نجحت اليوم في كسب اعتراف المجتمع الدولي بصفتها فاعلا أساسيا في مجال الشؤون الدولية. كما تعد المنظمة راعية للوسطية والاعتدال في العالم الإسلامي. وإنه لمن دواعي فخري القول إن الفضل في تبوء هذه المكانة يرجع إلى التحول النوعي الذي عرفته المنظمة منذ سنة 2005. وتنظر الأمم المتحدة اليوم إلى المنظمة كشريك استراتيجي في تعاملها مع قضايا السلم والأمن الدوليين. وقد فتح برنامج العمل العشري الذي قدمته لقادة المنظمة خلال القمة الإسلامية الاستثنائية الثالثة في مكة الباب لعهد جديد يتسم بالوسطية والتحديث في العالم الإسلامي، ولا أدل على ذلك من انعقاد هذا الاجتماع الموقر اليوم. وقد تم تبني شعار "التضامن في العمل" بدل التضامن بالقول" لتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد وسيادة القانون وحقوق الإنسان، ولاسيما حقوق المرأة من خلال التكليف الذي تلقيته من قمة مكة التاريخية لسنة 2005. وقد ركز برنامج العمل العشري على الضرورة الملحة لتطوير المرأة وتمكينها. كما تضمن البرنامج سلسلة من التوجيهات لمعالجة القضايا والتحديات المرتبطة بتمكين المرأة في مجتمعاتنا. أصحاب المعالي والسعادة، حضرات الضيوف الكرام ، إذا نظرنا للموضوع من منظور ديني، نلاحظ أن الإسلام كان رائدا في الاعتراف بدور المرأة في تطوير المجتمع. وكان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم خير قدوة في ذلك. فقد أكد في خطبه وأحاديثه على كرامة المرأة وحقوقها ومكانتها اللائقة في المجتمع. ويزخر التاريخ بأمثلة كثيرة لدور المرأة المسلمة في التنمية الاجتماعية. ومن المؤسف أن الدور الحاسم والمحوري الذي اضطلعت به المرأة المسلمة في إحداث التغيير في المجتمع، كان مصير معظمه عدم الاعتراف والتجاهل. ويُعزى ذلك أساسا إلى التحيزات القديمة والهواجس في مجتمع كان يهيمن عليه الرجل. وفي وقتنا المعاصر، ورغم حضور النساء في أعلى مناصب القرار في الكثير من المجتمعات، إلا أن الغالبية العظمى من النساء المسلمات تظل محرومة من أبسط الحقوق ومن الفرص التي يتيحها المجتمع مقارنة بنظرائهن من الرجال. وهكذا، وعملا بتوجيهات برنامج العمل العشري للمنظمة، وضعنا قضايا المرأة في صدارة جدول أعمال المنظمة. ولم تُقَصِّر المنظمة يوماً في إدراكها للإمكانات الضخمة لدور المرأة في التنمية في الدول الأعضاء في المنظمة. ومن هذا المنطلق، وفور وصولي لمنصب الأمين العام في سنة 2006، بادرتُ بعقد أول اجتماع وزاري للمنظمة يعنى بالمرأة في اسطنبول. وقد كان ذلك الاجتماع حدثاً بارزاً بوصفه أول تجمع على الصعيد السياسي ينظر فيما تواجهه المرأة المسلمة من قضايا وتحديات ويتخذ قراراً بشأن سبل التصدي لها. وعقب اجتماع اسطنبول، عملت الأمانة العامة جاهدة لتحديد المشاكل والتحديات وصياغة مشروع خطة عمل فعالة تساعد في تمكين المرأة. ونوقش المشروع وبُحث مطولاً في اجتماعين منفصلين لفريق من الخبراء من الدول الأعضاء عُقدا في الأمانة العامة في جدة. وقُدم المشروع النهائي إلى المؤتمر الوزاري الثاني حول دور المرأة في تنمية الدول الأعضاء في المنظمة الذي عقد في القاهرة في عام 2008 والذي اعتمده وثيقةً تاريخية تعرف باسم "خطة عمل منظمة التعاون الإسلامي للنهوض بالمرأة". ورسمت هذه الخطة خارطة الطريق التي طال انتظارها للنهوض بالمرأة ومشاركتها في التنمية وصنع القرار. وقرر الاجتماع الوزاري الثاني أيضا إنشاء منظمة تنمية المرأة ومقرها في القاهرة. وستكون هذه المنظمة، التي ستصبح هيئة متخصصة تابعة للمنظمة، مفتوحة أمام جميع الدول الأعضاء. وقد أبلغت الأمانة العامة جميع الدول الأعضاء أن نظامه الأساسي سيكون متاحا هنا للتوقيع والتصديق عليه. وأحث جميع الدول الأعضاء مرة أخرى على الانضمام إلى هذه الهيئة واغتنام فرصة انعقاد هذا المؤتمر للتوقيع والتصديق على نظامها الأساسي حتى يدخل حيز النفاذ فورا. وتابع المؤتمر الوزاري الثالث حول دور المرأة في التنمية في الدول الأعضاء في المنظمة، الذي عُقد في طهران في عام 2010، مداولات الاجتماعين السابقين، واتخذ عددا من القرارات المتبصرة في سبيل تنفيذ خطة عمل المنظمة للنهوض بالمرأة. ومن النتائج الإيجابية لاجتماع طهران اعتماد آلية لتنفيذ الخطة. والوثيقة ذات صلة بتعزيز مشاركة المرأة في التنمية، وأحث بشدة الدول الأعضاء على تنفيذها بدءاً بمستوى قواعدها الشعبية. وفي السياق ذاته، يكتسي الاجتماع الاجتماع الوزاري الرابع حول دور المرأة في التنمية في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي أهمية بالغة ويأتي في وقت مناسب. ويعتبر قرار اختيار موضوع تعزيز مشاركة المرأة في تنمية الدول الأعضاء في المنظمة قرارا موفقا. أصحاب المعالي والسعادة، حضرات المندوبين الموقرين، لقد نجحنا في تنفيذ القرار الذي أصدره قادتنا بإنشاء إدارة شؤون الأسرة في الأمانة العامة، والتي ستخصص حصرا للتعامل مع قضايا النساء والأطفال والشباب. ولئن كانت بدايتنا متواضعة في تنفيذ المهمة الموكلة إلينا، لكننا نأمل في جعل هذه الإدارة مركزا للتنسيق من أجل نشر المعلومات الخاصة بالإجراءات والسياسات التي تنهجها الدول الأعضاء، وتقديم الدعم لتنفيذ القرارات الصادرة عن الاجتماعات الوزارية. ويشكل إنشاء الهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان خطوة جبارة في سبيل نصرة قضية المرأة المسلمة. فالهيئة مكلفة بجملة أمور من بينها تشجيع حقوق المرأة في العالم الإسلامي. ومن المتوقع أن تقدم توصيات محددة لضمان مشاركة المرأة في التنمية. وفي اعتقادي أن تفاؤلي يبرره انتخاب أربع نساء ضمن أعضاء الهيئة البالغ عددهم ثمانية عشر عضوا، وأن الدورتين الأولى والثانية اللتين عقدتهما الهيئة في جاكرتا وأنقرة على التوالي ترأستهما باحثة ودارسة بارزة وناشطة من إندونيسيا. ويسرني على وجه الخصوص حضور الدكتورة سيتي روحايني دزوهاتين بيننا اليوم بصفتها رئيسا للهيئة. وأنا على ثقة في أنها ستكون لها مساهمات كبيرة في تعزيز حقوق النساء والفتيات وتشجيعها. حضرات السيدات والسادة، إن من القضايا الهامة المتعلقة بالمرأة ظاهرة ختان البنات التي تسبب في تشويه الأعضاء التناسلية للإناث في بعض البلدان والمجتمعات. وأود القول بأن هذه الممارسة ليست سوى عادة استمرت لقرون ويجب وقفها لا سيما أن الإسلام لا يؤيدها. وثمة وعي متنام في العالم الإسلامي بخطورة هذه الممارسة التي تهدد الصحة الجسدية والنفسية للنساء والفتيات. وقد ناقش المؤتمر الإسلامي الثاني للوزراء المكلفين بشؤون الطفولة الذي عُقد في الخرطوم في عام 2009 هذه القضية باستفاضة حيث برز هناك تأييد كبير لاعتبار تشويه الأعضاء التناسلية للإناث انتهاكا لحقوق النساء والفتيات. وأود أن أرحب باعتماد اللجنة الثالثة في الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار بتاريخ 26 نوفمبر 2012 يهدف إلى تكثيف الجهود العالمية للقضاء على هذه الممارسة واتخاذ التدابير اللازمة، بما في ذلك التشريعات التي تحظر هذه الظاهرة، لحماية النساء والفتيات من هذا الضرب من ضروب العنف. أصحاب المعالي والسعادة، إن المحنة المؤسفة التي تعيش فيها المرأة الفلسطينية التي ترزح تحت الاحتلال أمر يقلق المنظمة بصورة بالغة. فقد تحملت الفلسطينيات من القمع والألم والمعاناة ما لا يمكن وصفه من فقدان للأولاد والبنات والأزواج والآباء على أيدي المعتدين المتوحشين. وما زلن محرومات من حقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك الحق في الحياة والأمن والمأوى والتعليم والرعاية الصحية والعمل. وقد تسببت الغارات الأخيرة في إزهاق أرواح الكثير من النساء والأطفال. لهذا، أحثكم جميعاً على القيام بمبادرات لتذكير المجتمع الدولي بواجبه في حماية نساء وأطفال فلسطين من قمع قوات الاحتلال. أصحاب المعالي والسعادة، تتماشى توقعاتنا للنهوض بالمرأة مع الجهود الدولية الأخرى. وفي هذا الصدد، تعمل الأمانة العامة بنشاط مع باقي المنظمات الدولية والإقليمية. واضطلعت منظمة التعاون الإسلامي بدور هام في الجلسات التحضيرية في نيويورك لصياغة الإعلان الختامي للاجتماع الوزاري الثالث لبلدان حركة عدم الانحياز بشأن النهوض بالمرأة الذي عُقد في العاصمة القطرية الدوحة في فبراير 2012. وانعكس موقف المنظمة بشأن تمكين المرأة على نحو واضح في الوثيقة الختامية. وتنسجم الأهداف الإنمائية للألفية التي حددتها الأمم المتحدة، والتي تشمل القضاء على الفقر المدقع والجوع، وتعميم التعليم الابتدائي وتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، والحد من وفيات الأطفال، وتحسين صحة الأمهات، ومكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والملاريا والأمراض الأخرى، مع الأهداف الواردة في خطة عمل المنظمة للنهوض بالمرأة. وفي السياق ذاته، بادرت الأمانة العامة للمنظمة وحكومة الولايات المتحدة إلى تنفيذ إطار التعاون بين المنظمة والولايات المتحدة بشأن الاستجابة العالمية الطارئة ﻟ"تقديم الرعاية الطارئة لكل لأم وطفل في بلدان المنظمة". ووُقع الإطار في ديسمبر 2008 ، ويجري تجريبه في اثنتين من الدول الأعضاء في المنظمة هما بنغلاديش ومالي بمشاركة كاملة لحكومتي البلدين المختارين مع التركيز على بناء القدرات لمساعدتها على حل مشكلة ارتفاع معدل وفيات الأمهات والأطفال أثناء الولادة. واستناداً إلى درجة نجاح التجربة في هذين البلدين سيتم توسيع مدى المشروع ليشمل الدول الأعضاء الأخرى. أصحاب المعالي والسعادة، حضرات المندوبين الموقرين، كما ذكرت في خطابي أمام الاجتماعين الوزاريين السابقين، فإن القضايا والتحديات التي تواجه المرأة في العالم الإسلامي لا تختلف عن تلك التي تواجه المرأة على الصعيد العالمي. ففي العالم المتقدم حققت المرأة تقدما كبيرا فيما يخص الحصول على فرص العمل والهروب من فخ الفقر. ولكن على الرغم من التقدم المحرز، لا تزال المرأة تعاني بعض المشاكل فيما يخص المساواة في فرص العمل وفي الأجر، والعنف، وإساءة المعاملة وغيرها. وتتمتع المرأة المسلمة بميزة إضافية تتمثل في القيم الأسرية القوية في مجتمعنا والتي تعين على التصدي للعديد من القضايا. فالأسرة هي قلب المجتمع البشري. وهي جزء من عملية تطورنا من الطفولة إلى سن الشيخوخة، وستترسخ قيم الأخلاق والفضيلة في شخصيتنا إذا تربينا وفقا للتعاليم الإسلامية المتمثلة في الصدق والعدالة والتسامح واللطف والرحمة، والإحساس بالمسؤولية تجاه المحرومين والأقل حظا في المجتمع، والسعي إلى ترسيخ ثقافة السلام والاستقرار. وللمرأة الدور المحوري في تنشئة أسرة قوية ومتكاملة. ولذلك فإن على المجتمع ضمان حصول الفتاة والمرأة على جميع الفرص، لاسيما التعليم الجيد والرعاية الصحية والتغذية حتى تكون قادرة على المساهمة على النحو الأمثل في بناء مجتمع مزدهر. وقد دعمت المنظمة على الدوام قضية تعليم الفتيات، حيث حظي الحق في تعليم الفتيات بالأولوية القصوى في كافة اجتماعات المنظمة ووثائقها. وفي هذا الصدد، لا بد أن أشير إلى الهجوم الوحشي الذي تعرضت له الفتاة الباكستانية ملالا يوسف زاي التي وقفت في وجه المتشددين نصرة لحق الفتيات في التعليم. وقد أدانت المنظمة، ومعها العالم كله، هذا الاعتداء وأعربت عن دعمها القوي لهذه الفتاة. واسمحوا لي أن اختتم كلمتي بالتأكيد مجددا على أن المرأة شريك أصيل في مجتمعاتنا. وإذا ما أردنا أن نجعل المرأة شريكا في التنمية على قدم المساواة مع الرجل، ينبغي الاستجابة لمطالبها المشروعة المتمثلة في المساواة في المعاملة وإمكانية الوصول إلى الفرص وأداء دور في شؤون الدولة بما في ذلك وضع السياسات وصنع القرار، والحماية من العنف وسوء المعاملة. ويتعين على الدول الأعضاء أن تتابع بنشاط تنفيذ المقررات والإعلانات والقرارات الصادرة عن الاجتماعات الوزارية. وأتوقع أن يركز اجتماع جاكرتا على الجانب الخاص بالتنفيذ، مع العمل في ذات الوقت على تحديد الأهداف فيما يتعلق بقضية النهوض بالمرأة. شكراً لكم.