كلمة معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي في الدورة السابعة والثلاثين لمجلس وزراء الخارجية
التاريخ: 18/05/2010

دوشنبيه، جمهورية طاجيكستان 04 - 06 جمادى الآخرة 1431هـ
( 18 - 20 مايو 2010م)
أصحاب المعالي الوزراء،
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،
يشرفني أن تُتاح لي فرصة الترحيب بكم في افتتاح الدورة السابعة والثلاثين لمجلس وزراء الخارجية لمنظمة المؤتمر الإسلامي التي تستضيفها مدينة دوشنبيه الجميلة في جمهورية طاجيكستان.
أغتنم فرصة عقد هذا الاجتماع في دوشنبيه لأحيي شعب طاجيكستان. وأعرب عن شكري وامتناني لصاحب الفخامة إيمومالي رحمان، رئيس هذا البلد العظيم لرعاية هذا الاجتماع الهام، وللجهود الجبارة التي بذلها فخامته وحكومته لضمان سير أعمال هذا الاجتماع الوزاري.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أعرب عن شكري وتقديري لشعب وحكومة الجمهورية العربية السورية للجهود الحثيثة والبناءة التي بُذلت لاستضافة الدورة السادسة والثلاثين لمجلس وزراء خارجية المنظمة. وأعرب كذلك عن تقديري وامتناني لرئاسة سوريا للأنشطة والاجتماعات التي أعقبت الدورة، ولمساهمتها الإيجابية في تعزيز العمل الإسلامي خلال العام الماضي.
أصحاب المعالي الوزراء،
أصحاب السعادة، السيدات والسادة،
في مستهل حديثي، وقد انتقلت المنظمة إلى مقرها الجديد الذي توفر لنا بفضل مبادرة كريمة من خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله عاهل المملكة العربية السعودية، أود أن أعرب باسمكم جميعا عن أسمى آيات الشكر والتقدير والعرفان لحكومة المملكة العربية السعودية. وقد يسر لنا المقر الجديد العمل في بيئة أكثر راحة وفي جو موات بشكل أفضل. وهذه المبادرة الكريمة أُردفت بأخرى أكثر كرما من صاحب الجلالة الذي قدم منحة لغرض بناء مقر جديد وحديث وفخم للمنظمة. ويسير العمل في هذا الصرح الفاخر على قدم وساق. وأود، في هذا السياق، أن أعرب باسمكم مجددا لخادم الحرمين الشريفين عن صادق عرفاننا وتقديرنا.
وقبل التطرق لأي موضوع، أود أو أشاطركم الحزن والأسى لفقد الرئيس النيجيري المرحوم عمارو موسى يارادوا الذي توفي بتاريخ 5 مايو 2010 بعد مرض طويل. وبهذه المناسبة الحزينة، أود أن أتقدم باسم جميع الدول الأعضاء لشعب وحكومة نيجيريا وأسرة الرئيس الراحل بأحر التعازي لهذا الفقد الجلل لنيجيريا ولأسرة المنظمة ولإفريقيا.
وسيذكر الجميع دوما للرئيس الراحل يارادوا رؤيته والتزامه بتوطيد علاقات نيجيريا مع المنظمة وخدماته الجليلة للأمة. فقد أولى اهتماما خاصا لقضية الأمن والسلام في إفريقيا وغيرها، وكان حريصا على تعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد في بلده وفي الدول الأعضاء في المنظمة. ونذكر بإعجاب صداقته المخلصة وقيادته الحكيمة بوصفه رجل دولة عظيم. ونسأل الله أن يتغمده برحمته. ولنقرأ جميعا الفاتحة على روحه.
أصحاب المعالي الوزراء،
أصحاب السعادة، السيدات والسادة،
ويُعتبر اجتماع دوشنبيه أكثر أهمية لأنه أول اجتماع لوزراء خارجية المنظمة يعقد في إحدى الدول الأعضاء في المنظمة من منطقة آسيا الوسطى، التي انضمت إلى صفوفنا بعد أن نالت استقلالها. ونرحب بهذه الدول ترحيبا حارا، ونعرب عن أملنا في أن تصبح هذه البلدان الشقيقة الخمسة، نظرا لتاريخها العظيم في إثراء الحضارة الإسلامية، قوة دفع لعمل المنظمة وتعزيز التضامن الإسلامي.
وتحمل أحداث التاريخ الإسلامي شهادة بليغة على الثروة من الإرث الثقافي والتهذيبي التي أضفاها على الحضارة الإسلامية علماء مشهورون من أبناء هذا الجزء من العالم الإسلامي كانوا رواد الإبداع في العلم والمعرفة. وهذا العلم وهذه المعرفة هما ما دفع أحد أبناء المنطقة المشهورين، هو أبو عبد الله جعفر روداكي المعروف بسلطان الشعراء، لأن ينشد في القرن الثالث الهجري ما معناه "العلم والمعرفة يؤججان شعلة القلب، ويحميان بذلك النور جميع البشر من الشرور".
ونجتمع اليوم في دوشنبيه في وقت حرج من تاريخ الإسلام والمسلمين. ونقف في هذا اللحظة الحاسمة أمام مفترق طرق. فنحن نواجه تحديات جسام تستهدف هويتنا وعقيدتنا وثقافتنا ومصالحنا، والأهم من ذلك، مصيرنا. وفي وجه هذا التهديد المتصاعد، تعهدتُ وزملائي في الأمانة العامة بتسخير جميع الطاقات والموارد لبذل أفضل ما في وسعنا- على هذا المستوى- لمواجهة هذه التحديات.
وابتداء بالجبهة الداخلية، وخلال السنوات القليلة الماضية، جعلنا من الممكن لمعايير المنظمة أن تتوسع من حيث النطاق والمدى والمجال. فقد بدأت بالفعل الإصلاحات التي طال انتظارها. وأصبحت أنشطة الأمانة العامة معززة ومتنوعة. وطبقنا نُهجا ابتكارية من أجل أداء عملنا بشكل أفضل. ونتيجة لذلك، شهد أداء المنظمة تحسنا فوريا في خدمة قضايا المسلمين ومناصرتها والتصدي لشواغلهم. وزادت مكانة المنظمة علوا في نظر العالم. وأصبح صوتنا يحظى باحترام أكبر، وترسخت فعالية المنظمة بشكل أفضل.
وحققنا إنجازا ملحوظا عندما تمكنا من توحيد نمط تصويت الدول الأعضاء في المنظمة في المحافل الدولية بشأن القضايا الرئيسية ذات الاهتمام المشترك. وتمكنا بذلك من خلق كتلة مؤثرة في التصويت تتكون من 59 بلدا، وهو ما جعل موافقتها أمرا لا بد منه تقريبا لاعتماد القرارات والمقررات الدولية الرئيسية. وفي هذا السياق، أود أن أغتنم هذه الفرصة لأناشد معاليكم حث ممثليكم في المحافل الدولية على الالتزام باحترام نمط التصويت المتفق عليه في الاجتماعات الرسمية للمنظمة، أو بواسطة مجموعات المنظمة في الخارج.
أصحاب المعالي الوزراء،
أصحاب السعادة، السيدات والسادة،
خلال السنوات القليلة الماضية، وفي محاولة لوقف مد الإسلاموفوبيا، أجرينا اتصالات مع عدد كبير من وزراء خارجية الدول الغربية. واتصلنا كذلك بمسؤولين كبار وأكاديميين وعلماء في أوربا وفي الولايات المتحدة. ومن بين الذين أجرينا معهم اتصالاتنا وزراء خارجية كل من سويسرا وفرنسا وألمانيا والدانمرك وأسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وفنلندا وهولندا. وشملت هذه الجهود كذلك كبار المسؤولين في المنظمات الدولية ذات الصلة في الغرب. ومن بين تلك المنظمات الاتحاد الأوربي ومنظمة الأمن والتعاون في أوربا ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ومؤسسات حقوق الإنسان ومراكز البحث ومحافل الحوار بين الحضارات الموجودة في أوربا، بما في ذلك "تحالف الحضارات" التابع للأمم المتحدة والذي أبرمنا معه مذكرة تفاهم.
أما فيما يخص الولايات المتحدة، فقد استفدنا من انتخاب الرئيس أوباما لنوجه له رسالة مفتوحة في يوم تنصيبه. وبعثنا له في هذا الخطاب بدعوة لإبداء حسن النية عن طريق الدخول في عهد جديد من التفاهم المتبادل والتعاون بين بلده والعالم الإسلامي. ولاقت دعوتنا استجابة تجسدت في كلمة الرئيس أوباما التي ألقاها في جامعة القاهرة. واستمرت اتصالاتنا بالجانب الأمريكي دون ملل على مستويات عليا. فقد التقيت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، في وزارة الخارجية في واشنطن وبرفقتي وفد رفيع المستوى من منظمة المؤتمر الإسلامي. ودارت بيننا مناقشات مثمرة للغاية حول العالم الإسلامي وقضايا المسلمين. وقد حظيت بأولوية قصوى قضايا فلسطين والقدس وأفغانستان والإسلاموفوبيا..الخ.
وردَت السيدة كلينتون الزيارة بزيارتنا في مقر المنظمة في جدة على رأس وفد رفيع المستوى بتاريخ 16 فبراير 2010. وعقدنا اجتماعا هاما ركز على القضايا الرئيسية في العالم الإسلامي. وقدمت كذلك، في تلك المناسبة، السيد رشاد حسين، المبعوث الخاص للرئيس أوباما لدى منظمة المؤتمر الإسلامي.
وقد أُكملت هذه الأنشطة باتصالات عديدة مع شخصيات أمريكية رفيعة المستوى من المجتمع المدني ومراكز البحث ومؤسسات الفكر في كل من نيويورك وواشنطن، مثل مؤسسة بروكلنغ، والمعهد الأمريكي للسلام في واشنطن، وجامعة جورج تاون، والنادي الأمريكي الوطني للصحافة، وعدد كبير من المراكز المماثلة. وقد كانت لهذه الأنشطة تأثيرات إيجابية في العلاقات بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة على وجه الخصوص.
أصحاب المعالي الوزراء،
السيدات والسادة،
لقد أزعجنا بدرجة كبيرة قرار حظر المآذن في سويسرا، والذي جاء نتيجة استفتاء، إذ وافق عليه الشعب السويسري وأصبح قانونا. وقد التقيت وزير الخارجية السويسري عدة مرات بشأن هذه المسألة منذ عام 2007. وأشارت الحكومة السويسرية إلى أنها ضد الحظر، ولكنها لا تستطيع عكس نتيجة الاستفتاء. وقد نظرنا لهذا العمل بوصفه تحول ينذر بالسوء، إذ انتقلت مظاهر الإسلاموفوبيا في أوربا من مستوى الأفراد إلى مستوى القوانين. وأدى كذلك إلى إضفاء الطابع الدستوري والمؤسسي على المحاباة ضد المسلمين وانتهاك حقوق الإنسان للمسلمين فيما يخص حرية الدين.
وقد دعونا لاجتماع الممثلين الدائمين للدول الأعضاء، وانعقد الاجتماع في 31 يناير. وأدان الاجتماع القانون السويسري الجديد بوصفه قانونا تمييزيا ينبغي إلغاؤه. وقد كانت للقانون السويسري الجديد عواقب خطيرة. وفي الواقع، أصبحت موجة الكراهية ضد الإسلام والمهاجرين المسلمين "سلعة أساسية سياسية" و "كرت دعاية" في أيدي الأحزاب السياسية تستخدمه في أثناء حملاتها الانتخابية. ونظرا لخطورة الوضع، وبما أننا ننظر للمستقبل ونعمل من أجله، أود أن أقول أن إحراز أي تقدم فعلي في هذا المجال يحتاج إلى تفاعل مباشر بتجرد من جانب الدول الأعضاء مع المسؤولين في الغرب. ولذلك، أود أن أقترح عقد اجتماع وزاري عالي المستوى لوضع خطة إسلامية للتفاعل مع الغرب فيما يتعلق بالإسلاموفوبيا، وللدفاع عن قضايانا العادلة، ولمواجهة موجة الكراهية المتنامية ضد الإسلام. وأقترح كذلك إدراج مسألة الإسلاموفوبيا في تفاعلات الدول الأعضاء مع نظرائهم في الغرب.
أصحاب المعالي الوزراء،
أصحاب السعادة، السيدات والسادة،
إن الوضع في فلسطين وفي القدس الشريف يسير من سيئ إلى أسوأ منذ مجيء أحزاب اليمين المتطرف الإسرائيلية إلى الحكم. فالبرنامج المعلن لهذه الأحزاب يقوم على مصادرة أكبر مساحة ممكنة من الأرض الفلسطينية المحتلة، وبناء المستوطنات عليها، وإكمال عملية تهويد القدس الشريف.
إن الوضع الجديد يستدعي من كافة الدول الأعضاء في المنظمة اتخاذ موقف ثابت وموحد قبل فوات الأوان. فعلى مستوى المنظمة عقدنا اجتماعا وزاريا للجنة التنفيذية التابعة للمنظمة في الأول من نوفمبر 2009 لتدارس هذه المسألة الخطيرة. وقمنا بإيفاد بعثة مشتركة للمنظمة والبنك الإسلامي للتنمية إلى مدينة القدس للاطلاع على الأوضاع السائدة هناك في قطاعات الإسكان والتعليم والصحة والوضع الاجتماعي الذي يعيشه الفلسطينيون في القدس الشرقية. وشرعنا في تمويل مشاريع معينة ذات أولوية في القطاعات الحيوية لهذه المدينة المقدسة. علاوة على ذلك، وجهت رسائل عاجلة إلى عشرات من وزراء الدول ذات النفوذ في العالم، بمن في ذلك أعضاء اللجنة الرباعية، من أجل استرعاء انتباههم إلى المستجدات على الساحة المقدسية والأوضاع المتفجرة فيها.
وفي أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أقدمنا على إرسال قوافل إغاثية وإمدادات طبية لسكان القطاع. وعلى الصعيد السياسي، دعونا إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لمناقشة العدوان الإسرائيلي، حيث نجحنا في إقناع مجلس حقوق الإنسان بإيفاد بعثة لتقصي الحقائق في قطاع غزة برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون. وبذلنا جهودا حثيثة لدفع مجلس حقوق الإنسان إلى اعتماد تقرير غولدستون وإحالته إلى الأمم المتحدة تمهيدا لرفع التقرير إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وفيما يخص العراق، عبرنا عن ترحيب المنظمة بإجراء الانتخابات التشريعية الأخيرة. وإنه لمن دواعي الأسف أن تواجه عملية تشكيل حكومة عراقية جديدة خلافات مستعصية. أود من هذا المنبر أن أناشد القيادة العراقية توحيد جهودها والتعاون من أجل تشكيل حكومة جديدة، وتفادي حدوث أي فراغ سياسي في هذه الظروف الحرجة وغير المستقرة.
ولا يزال الوضع في الصومال غير مستقر ومحفوف بجملة من المخاطر، إذ أن الهجمات التي تشنها الجماعات المتمردة أسهمت في إحباط كل المحاولات الرامية إلى وضع حد للحرب الأهلية في هذا البلد. وقد استضافت المنظمة في مقرها الاجتماع السادس عشر لفريق الاتصال الدولي التابع للأمم المتحدة المعني بالصومال في ديسمبر المنصرم. وإنني أناشد جميع الدول الأعضاء في المنظمة تقديم كل الدعم المادي والسياسي لخطة الصومال الإستراتيجية لعام 2010 من أجل استتباب الأمن في البلاد وإعادة بنائه. ومن المتوقع عقد اجتماع نوعي آخر رفيع المستوى للفريق في اسطنبول خلال هذا الشهر.
وتنتابنا مشاعر الاستياء والحزن أمام المشهد السائد في أفغانستان التي تعيش حربا طال أمدها استمرت أكثر من ثماني سنوات. وقد أعلنت سابقا أن اتباع النهج العسكري في أفغانستان لن يفضي إلى إيجاد حل دائم. والحل في رأينا يكمن في التوصل إلى تسوية شاملة تجمع بين الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أرض الواقع. فأفغانستان تحتاج اليوم إلى تعبئة جهود إسلامية مشتركة. وسيسعدني تلقي مقترحات من الدول الأعضاء تندرج في إطار هذا الجهد المنشود. وأرى أن مقترح دولة الإمارات العربية المتحدة بتعيين مبعوث من المنظمة المؤتمر الإسلامي خاص بأفغانستان يصب في هذا السياق وجدير بالدراسة. ومن جانبي، أجريت العديد من الاتصالات مع الدول المجاورة لأفغانستان بغرض تشكيل لجنة إقليمية مشتركة تُناط بها مهمة الإسهام في إطلاق آلية تسهل وتنسق الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة في أفغانستان، وتسهم بذلك في تعبيد الطريق نحو التوصل إلى حلٍ يعزز السلام ويفتح الباب أمام التنمية وإعادة الإعمار.
أما بالنسبة للسودان، فقد رحبت المنظمة وأشادت بالتقدم الذي أحرزته عملية الدوحة للسلام في دارفور التي كانت منظمة المؤتمر الإسلامي طرفا فيها. ورحبنا أيضا بالانتخابات التشريعية والرئاسية التي أُجريت في السودان. ونأمل أن تسهم الانتخابات في دفع السودان على درب الديمقراطية. وباعتبار أن السودان يتجه نحو تنظيم استفتاء هام العام المقبل، أود أن أناشد الشعب السوداني بمختلف شرائحه تعبئة جهوده والعمل على الحفاظ على وحدة بلاده. ومن ناحية أخرى، أود أن أستذكر هنا أن منظمة المؤتمر الإسلامي شاركت بمعية كل من الحكومة المصرية والحكومة التركية في تنظيم مؤتمر للمانحين لتنمية وإعادة إعمار إقليم دارفور، حيث بلغت قيمة التعهدات المالية المعلنة زهاء تسعمائة مليون دولار.
أما فيما يتعلق بملف كشمير، فقد أعربت منظمة المؤتمر الإسلامي باستمرار عن قلقها إزاء حالة شبه الجمود التي تطال عملية تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي حول حق تقرير المصير للشعب الكشميري. وقد تم مؤخرا تعيين ممثل جديد للأمين العام للمنظمة معني بقضية جامو وكشمير، علما أن المبعوث الجديد سيزور المنطقة في المستقبل المنظور. وبالنسبة لأذربيجان، نحن نؤيد وحدة أراضي هذا البلد، وندعو إلى التنفيذ العاجل للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الأممي ذات الصلة بهذا الملف.
أصحاب المعالي الوزراء،
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،
إن ملف الجماعات والمجتمعات الإسلامية خارج الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي تستأثر باهتمامنا الوثيق ومتابعتنا المتواصلة. وفي هذا السياق، نعمل على التواصل مع السلطات العليا في البلدان المضيفة ومع ممثلي الجاليات الإسلامية خارج الدول الأعضاء في المنظمة. ومن بين أبرز الأنشطة التي ننفذها في هذا الميدان دراسة ومتابعة تطورات الوضع في جنوب الفلبين وتايلاند. ونبذل فضلا عن ذلك جهودا مضنية وجادة للذود عن مصالح المجتمعات المسلمة في أوروبا، وأمريكا الشمالية، ومنطقة القوقاز، والأقلية التركية في تراقيا الغربية، وإقليم الحكم الذاتي الإيغوري، وبلغاريا، وميانمار، وغيرها من المناطق والبلدان.
أصحاب المعالي الوزراء،
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،
لقد تمكنا في المجال الاقتصادي من وضع الإطار اللازم لتفعيل نظام مشترك للأفضليات التجارية عقب دخول بروتوكول خطة التعريفة التفضيلية المعروف بـ "بريتاس" حيز التنفيذ في 5 فبراير 2010. وأصبحنا اليوم، وبعد تحقيق هذا النجاح، قادرين على وضع الأسس اللازمة لنظام متكامل يؤطر اقتصادات الدول الأعضاء في المنظمة في ظل تعاظم حجم التجارة البينية بين الدول الأعضاء من 14.5 في المائة في 2004 إلى 16،60 في المائة عام 2009.
ويحدوني الأمل في أن يسهم استئناف جولات المفاوضات التجارية، خصوصا بعد دخول الاتفاقية الإضافية لنظام قواعد المنشأ حيز التنفيذ، في تعزيز رغبتنا الجماعية في إقامة إطار فعال ومتعدد الأطراف لتحقيق تعاون وتنسيق اقتصادي حقيقي في الدول الأعضاء. ومن شأن هذا التعاون أن يجسد الرؤية الرامية إلى خلق اقتصاد يطبعه النمو والحيوية في الدول الأعضاء. وقد شكلت الدورة الأخيرة للجنة الكومسيك والقمة الاقتصادية اللتان عُقدتا على التوالي في اسطنبول خلال العام الفائت لتخليد الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس الكومسيك فرصة لإنعاش آمالنا في تحقيق مجموع الأهداف المحددة لغرض توطيد التعاون والتضامن الفعلي بين الدول الأعضاء. وأود ضمن هذا السياق أن أشيد بالجهود التي بذلتها الحكومة التركية لتنظيم قمة الكومسيك وبدعمها المتواصل لتسهيل المفاوضات التجارية التي أسفرت عن مجموعة من النتائج الملموسة.
بالموازاة مع ذلك، يبقى ملف التخفيف من وطأة الفقر أحد المواضيع الرئيسية على جدول أعمال التعاون الاقتصادي للمنظمة. وتستمر مختلف برامج المنظمة الرامية إلى التخفيف من حدة الفقر في معالجة أوضاع الشرائح الفقيرة والضعيفة في بلداننا. وأود هنا التذكير بالجهود الجارية لتنفيذ مشروع سكة الحديد داكار- بورتسودان الذي يشكل أحد مشاريع المنظمة الرائدة. وقد تكلل الاجتماع الوزاري للبلدان الثلاثة عشر المشاركة في المشروع الذي انعقد في الخرطوم بنجاح واعد.
أود أيضا في هذا المقام أن أثني على الجهود التي تبذلها المؤسسات والأجهزة التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، مثل الكومسيك، والبنك الإسلامي للتنمية، والمركز الإسلامي لتنمية التجارة، ومركز البحوث الإحصائية والاقتصاديـة والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية، والغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة.
وفيما يتعلق بالأنشطة الإنسانية لمنظمه المؤتمر الإسلامي، تجدر الإشارة إلى أنه قد اكتملت الإجراءات المؤسسية لإنشاء إدارة الشئون الإنسانية (ICHAD)، وجرى في هذا الصدد تنفيذ الكثير من المبادرات والأنشطة في وادي سواط بباكستان، وفي بوركينا فاسو، والنيجر، وجزر القُمر، ودارفور، والصومال، وبانده أتشيه بإندونيسيا، وفي البوسنة والهرسك، وغزة، واليمن وسيراليون. وعلاوة على ذلك، تجدر الإشارة إلى الحاجة إلى مزيد من تنسيق الجهود لزيادة الوعي بالكوارث الطبيعية.
وشهد صندوق التضامن الإسلامي بداية جديدة مع تعيين مدير تنفيذي جديد له. فقد عززت الاتفاقات الجديدة للتعاون والتمويل المشترك لبعض المشروعات، المبرمة مع العديد من المؤسسات الخيرية، قدرة الصندوق، وساعدته على تعزيز أنشطته في الكثير من المجالات وفي العديد من دول منظمة المؤتمر الإسلامي. وقد أمكن تحقيق ذلك من خلال المساهمات السخية لعدد من الدول الأعضاء. ولا يفوتني أن أناشد الدول الأعضاء التي لم تقدم مساهمات في الصندوق أن تسارع إلى ذلك.
أما بالنسبة لبرنامج العمل العشري، أود أن أسترعي انتباهكم الكريم إلى الأهمية البالغة التي نوليها لتنفيذ هذا البرنامج. وتعلمون بلا شك أن تنفيذ هذا البرنامج على النحو الأمثل يعد فرصة تاريخية لهذه الأمة، ولتقدمها وتطورها لمواجهة تحديات العصر.
وعلى مستوى الأمانة العامة، شرعنا في تنفيذ جل المهام الموكلة إلينا في إطار هذا البرنامج: حيث تمت صياغة الميثاق الجديد ومراجعته واعتماده، ووقعت عليه إحدى وأربعون (41) دولة عضو، ليصبح ساريا. ثم انتقلنا إلى القيام بواجباتنا من قبيل تنفيذ المتطلبات الجديدة في إطار الميثاق الجديد مثل: إنشاء اللجنة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان، والانتهاء من مشروع قواعد منح صفة المراقب. وصيغت النصوص التوافقية وروجعت بشكل كامل من قبل الخبراء الرسميين للدول الأعضاء وهي جاهزة الآن للعرض عليكم. وسيحظى إنشاء اللجنة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان بترحيب الأوساط المعنية بحقوق الإنسان، وسيكون إنجازا كبيرا في سجل منظمة المؤتمر الإسلامي.
أصحاب السعادة،
المندوبون الموقرون،
يحتل الحوار بين الحضارات مكانة بارزة وذات أولوية على جدول أعمال المنظمة، حيث ركزنا على المشاركة في الكثير من المحافل لإبراز أهمية الحوار في مواجهة التعصب والكراهية. وقد رحبنا بمبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين الأديان ودعمناها، ونقلنا رسالتها من خلال أنشطتنا في إطار الحوار بين الحضارات. وتُعتبر المبادرة أرفع المبادرات التي يقدمها العالم الإسلامي وأكثرها فعالية. وقد لاقت اعترافا وإشادة على نطاق واسع. وعملنا كذلك مع المؤسسات الغربية الرائدة في هذا المجال، بما في ذلك منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان. ونواصل عملنا الوثيق مع تحالف الحضارات الذي ترعاه الأمم المتحدة بغية تعزيز الحوار بين الحضارات. ويأتي توقيع مذكرة التفاهم مع التحالف وكذلك زيارة ممثله السامي، السيد جورج سامبايو، للأمانة العامة في جدة دليلا على التعاون المتنامي بين منظمة المؤتمر الإسلامي والتحالف.
وفي هذا السياق، دعت منظمة المؤتمر الإسلامي إلى الاجتماع الأول لضباط اتصال تحالف الحضارات في الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي واستضافته الشهر المنصرم. ويطيب لي الإشارة إلى أن الأمانة العامة تعمل بجِد على عقد اجتماع جانبي على هامش المنتدى الثالث لتحالف الحضارات في ريو دي جانيرو في نهاية هذا الشهر بالتعاون مع مجلس أوروبا، وتركيا وأسبانيا. وستُعقد ندوة أخرى عن الإسلاموفوبيا خلال اجتماع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا المقرر في أستانا في يونيو/حزيران المقبل. وفي نقس السياق، نعمل كذلك لتكثيف تعاوننا مع وسائل الإعلام الدولية، حيث سننظم هذا العام اجتماعا لمتابعة مؤتمر باكو 2007 ليعقد تحت شعار: "الإعلام جسر للتواصل بين الحضارات". كما انتهينا من إعادة هيكلة وكالة الأنباء الإسلامية الدولية (IINA)، ونعكف حاليا على إعادة هيكلة اتحاد إذاعات الدول الإسلامية (ISBU).
أصحاب السعادة،
المندوبون الموقرون،
أخذت الأمانة العامة المبادرة في صياغة مشروع خطة عمل منظمة المؤتمر الإسلامي للارتقاء بوضع المرأة، والتي ناقشتها الدول الأعضاء وأقرها مجلس وزراء الخارجية في دورته الماضية. وفي نفس السياق، أقر المجلس إنشاء منظمة لتنمية المرأة يكون مقرها القاهرة. وكلي ثقة في أن يقر هذا الاجتماع مشروع النظام الأساسي لهذه المنظمة. كما سيجري عقد اجتماع وزاري آخر بعنوان "دور المرأة في تنمية الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي" في إيران هذا العام، كما كانت هناك أنشطة مشابهة على صعيد الشباب والطفولة.
السيدات والسادة،
سعت منظمة المؤتمر الإسلامي، في ميدان الدعوة، إلى جمع المؤسسات والمنظمات الإسلامية المتخصصة في الأنشطة الدعوية تحت مظلتها في إطار لجنة تنسيق العمل الإسلامي المشترك في مجال الدعوة. وبدأت لجنة التنسيق في وضع مجموعة من البرامج التنفيذية التي تشمل إطلاق محطة إذاعية ذات موجة قصيرة (FM) لتبث في إفريقيا. كما سَتَبُت الدورة السابعة عشرة للجنة التنسيق المنعقدة في البرازيل في مايو 2010 في شئون الدعوة في أمريكا اللاتينية.
وفي مجال العلوم والتكنولوجيا، انعقد مؤخرا اجتماع بمقر الأمانة العامة جمع مؤسسات منظمة المؤتمر الإسلامي المتخصصة في مجال العلوم والتكنولوجيا، والتعليم العالي، والصحة، والبيئة. وتركز هدف الاجتماع في استعراض الإنجازات والوقوف على التحديات التي تواجه الأمانة العامة.
ومن ناحية أخرى، تمكنا من تطوير أداء الجامعتين الإسلاميتين في النيجر وكمبالا والجامعة الإسلامية للتكنولوجيا في دكا. كما أود أن أشيد بجهود أجهزة منظمة المؤتمر الإسلامي العاملة في مجال الشئون الثقافية والاجتماعية، لاسيما مجمع الفقه الإسلامي، والإيسيسكو وإرسيكا، والاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي، ومنتدى شباب المؤتمر الإسلامي للحوار والتعاون.
لقد أدرك قادتنا الحاجة العاجلة لسد الفجوة بين دولنا الأعضاء والدول المتقدمة وقرروا في برنامج العمل العشري تخصيص نسبة 2% من الدخل القومي لاستثمارها في البحث العلمي والتنمية. وهناك تجارب ناجحة في مجال الصحة تمثلت في حملتي القضاء على شلل الأطفال، والملاريا، وكذلك في مجال رعاية الأمومة والطفولة.
أصحاب المعالي الوزراء،
السيدات والسادة،
ما كنا لنحقق كل هذا التقدم وهذه المنجزات دون الثقة التي أوليتمونا إياها، ودون توجيهكم الحكيم وقراراتكم ومقرراتكم السديدة. ولا يسعنا إلا أن نعدكم بمواصلة هذا الدرب ومضاعفة جهودنا وتعميق التزامنا بالعمل الجاد على كافة المستويات وفي كل الميادين، بينما ندرك أن الظروف الدولية الراهنة، التي تحيط بعملنا، ليست سهلة، وتعج بالصعاب والمخاطر والتحديات. وسلاحنا الوحيد إزاء ذلك هو الوحدة، والإخلاص لقضايانا، والتضامن الذي يتجلى هنا كلما اتفقنا على قرارات وعملنا سويا. لكن يبقى إيماننا الراسخ في أمتنا، وعظمتها، وقوتها، ومستقبلها المشرق قبل كل شيْ.
بيانات أخرى
No press releases assigned to this case yet.