منظمة التعاون الإسلامي
الصوت الجامع للعالم الإسلامي

كلمة معالى الأمين العام في مؤتمر الدوحة السابع لحوار الأديان

التاريخ: 20/10/2009

الدوحة – دولة قطر 1 – 2 ذو القعدة 1430هـ (20 – 21 أكتوبر 2009م) بسم الله الرحمن الرحيم سعادة الأخ أحمد بن عبدالله آل محمود وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتورة عائشة المناعي، عميدة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة قطر أصحاب السعادة، سيداتي وسادتي، يطيب لي أن أتقدم ببالغ الشكر لسعادة الأخ السيد أحمد بن عبد الله آل محمود، وزير الدولة للشؤون الخارجية، راعي مؤتمر الدوحة السابع لحوار الأديان، وللدكتور إبراهيم النعيمي، رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة لحوار الأديان، المنظم لهذا الملتقى الهام الذي سيتناول بالبحث عدداً من القضايا الهامة على المستويات الإسلامية والدولية. ولا يسعني في بداية حديثي إلا أن أشيد بدولة قطر، وأن أعرب عن تقديري وإعجابي باهتمامها الفائق بقضايا الحوار، ورعايتها للعديد من الأنشطة الرامية إلى فض النزاعات، وحلّ الأزمات، وجهود التوفيق بين الأطراف المتخاصمة، بما يسجل لها ولقادتها في سجلّ الحمد والثناء. حضرات السيدات والسادة، كل من يتناول بالبحث موضوع التضامن الإنساني، الذي هو شعار هذا الملتقى، ويستعرض تطبيقات هذا التضامن الإنساني على مستوى الحضارات والقيم؛ فإنه سيجد أن الحضارة الإسلامية تتبوأ مكانا مرموقاً بين الحضارات البشرية، باعتبار بُعدها الإنساني، وسمو قيمها وتراثها وسعة أفقها. وما ميز الحضارة الإسلامية عن غيرها من الحضارات أنها جعلت الإنسان محوراً لها، وعماد قيمها. وقد أنجبت هذه الحضارة نماذج رائدة من العطاء الفكري الإنساني تجلّى في تراث المدارس الفكرية الإسلامية، وبرز في تراث المعتزلة والصوفية وغيرهم. وقد ركز الإسلام على التكامل والتضامن الإنساني لكونه أحد الأسس التي من خلالها تتحقق الحياة الكريمة للإنسان. وقد تعددت في ظل الدولة الإسلامية أشكال الوسائل الدينية التي يتحقق من خلالها التضامن الإنساني والتكافل الاجتماعي، ومن بينها الزكاة والأوقاف والصدقات والكفّارات والنذور. ولا يقتصر هذا التضامن الإنساني على العطاء لسدّ الحاجات الأساسية أو المادية للفرد، بل يتضمن فرص العمل والتعليم وتقديم النصيحة. وكثير من الآيات القرآنية الكريمة تحض على ذلك، ومنها: {المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}. كما أن هناك الأحاديث النبوية الشريفة المتعددة التي تتعرض لهذا السياق، ومنها الحديث الشريف المعروف: "مَثُلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى". ولا أحسبني أبالغ إذا ما قلت بأن العالم اليوم يحتاج إلى بلورة مفهوم جديد للتضامن الإنساني ينهل من معين القيم والحضارة الإسلامية. حضرات السيدات والسادة، لقد قيل الكثير عن أهمية الحوار باعتباره وسيلة للتفاهم والتسامح وفض النزاعات بين الشعوب، وكانت منظمة المؤتمر الإسلامي رائدة في هذا المجال، حيث كانت أول من وضع قضية حوار الحضارات على جدول أعمال منظمة الأمم المتحدة عام 1998. وقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الموضوع، وخًصص عام 2001 كعام لحوار الحضارات في كل أرجاء العالم. وتَجْمع الديانات السماوية الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية قواسم مشتركة، باعتبارها وريثة التراث الإبراهيمي التوحيدي. ولما كانت الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية قد استمدتا الكثير من نتاج التراث الإغريقي، وتشاركتا في تبنيّ التراث الإبراهيمي، فقد كان من الطبيعي أن تقترب مفاهيمها وثقافتهما وأن يدخلا في نسق حضاري واحد. وقد تميّز الدين الإسلامية منذ نشأته باحترام الفرد وخياراته على صعيد المعتقد الديني دون إكراه أو مشاقّة (لا إكراه في الدين)، كما دعا الإسلام إلى حوار الآخرين، وأبقى باب هذا الحوار مفتوحاً على الدوام لأن الإسلام في ماهيته دين عالميّ التوجه، عالمي النّسق. وتميز الإسلام كذلك بمنطق واضح وصريح في احترام الأنبياء والرسل السابقين، والإيمان برسالاتهم السماوية. وكل هذه العوامل والخصائص المشتركة قمينة بأن تحفز اتباع الحضارتين الإسلامية والغربية إلى أن يسود بينهما الوئام والطمأنينة والتعاون المجدي. وبناء على ما سبق، فقد دعوت منذ عدة سنوات إلى إجراء مصالحة تاريخية بين الإسلام والمسيحية جديرة بأن تمحو بواعث الخلافات الراهنة الواهية، وتفتح أمام الحضارتين أبواب التآزر والتعاون، وتسهم مساهمة فعالة في استتباب السلام العالمي ورفاهية الشعوب. وقد سبق أن نجحت مصالحة تاريخية مماثلة بين اليهودية والمسيحية في غضون القرن الماضي. سيداتي وسادتي، ينعقد هذا الملتقى الهام اليوم في وقت ما زالت تتردّد فيه أصداء اعتماد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تقرير القاضي "غولدستون" عن مأساة عزّة، تلك المأساة التي عاشها العالم في مطلع هذا العام ورآها رأي العين، وشاهد كيف تستباح حرماتها، وتقتل نساؤها وأطفالها، وتدمّر مرافقها الحيوية ومساجدها ومستشفياتها، وتحاصر بالتجويع وإغلاق المعابر، في هجمة ديست فيها كل القيم الإنسانية، وكل الشرائع، وكل المواثيق الدولية. وقد كانت منظمة المؤتمر الإسلامي أول من بادر بالاتصال مع مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة في جنيف، مطالباً إياه باسم المجموعة الإسلامية إجراء تحقيق دولي موثق للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في غزة، من قتل عشوائي للمدنيين الأبرياء والدمار المفرط لممتلكاتهم ومرافقهم الحيوية. أما وقد صودق الآن على هذا التقرير، فإنه حريّ بنا أن نتضامن ليصل هذا التقرير إلى هدفه، لمحاسبة مقترفي تلك الأفعال المنكرة على جناياتهم. وما دمنا نتكلم عن التضامن الإنساني، فإنه يسرني أن أقول أن منظمة المؤتمر الإسلامي لم تأل جهدا في الإسراع لنجدة المنكوبين في قطاع غزة، وتعهدت في مؤتمر المانحين الذي عقد في شرم الشيخ بتقديم مائة مليون دولار لصالح برنامج تأهيل المجتمع الفلسطيني بقطاع غزة. وقد تمكنت من تنفيذ أكثر من 37% من هذا التعهد حتى الآن، حيث قدمت المساعدات الإغاثية العاجلة من المعدات الطبية والمواد الغذائية وافتتحت مستشفى تخصصياً للعيون، كما جهزت المستشفى الأوروبي في غزة بالمعدات الطبية لجراحة المخّ والأعصاب. وما زال جهد المنظمة متواصلا في هذا الميدان. ومن الطبيعي أن ما فعلته إسرائيل لا ينجم عنه سوى تعميق الكراهية وتأجيج الفتنة وزرع الأحقاد، كما إن من شأنه زيادة العنف والأصولية والإرهاب. وإذا كانت إسرائيل تعتمد على تفوقها العسكري، فإن هناك قوة لا يقهرها التفوق العسكري، وهو قوة الحقّ، لأن لقوة الحق نفاذاً بعيد المدى إلى قلوب الناس وضمائرهم أودعه الله في الطبيعة البشرية، والحق يعلو ولا يعلى عليه. وإذا أخذنا في الاعتبار موضوع تهويد القدس، فإننا نجد في الممارسات الإسرائيلية في هذا الصدد ضرباً من الاستهتار بحقوق الآخرين. فقد كان في القدس وجود مسيحي دائم ومقدسات مسيحية على مدى ألفي عام، وكان هناك كذلك وجود إسلامي ومقدسات إسلامية على مدى ألف وأربعمائة سنة. واتباع هاتين الديانتين يتجاوز عددهم ثلاثة آلاف مليون نسمة، ومقدساتهم تملأ المدينة، وتربطهم بهذه المدينة أعمق الروابط الروحية العميقة. وتسعى إسرائيل الآن لتخريب وهدم المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية عن طريق تعريضها للخطر، كما أنها تسعى دائبة لتهويد هذه المدينة والاستحواذ عليها كلها، وحدها، وطرد سكانها منها، غير آبهة بحقوق الآخرين فيها. سيداتي سادتي، ومع أن الألفية الثالثة قد بدأت، مع الأسف، منذ عامها الأوّل بالصراعات وبشن الحروب على ما يسمّى بالإرهاب، وبتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، وما رافق كل ذلك من انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، ومن تغاض عن القيم المثلى السامية؛ فإن حوار الأديان الحقيقي يبقى الوسيلة القمينة بإشاعة قيم العقل والمصالحة، ويفضي إلى التسامح واستتباب السلام والأمن في أرجاء العالم. وإنني مؤقنٌ بأن جميع الأديان، سماوية كانت أو غير ذلك، تجتمع كلمتها على الدعوة للخلق القويم وتدعو إلى التسامح والأخوة الإنسانية، وتنبذ الشرور والضرر بالغير. فالأديان في جوهرها الحقيقي ملاذات وملاجئ للمؤمنين بها من أبناء البشر، تهديهم سبل الرشاد، وطرق الحق والسداد. ومن شأن النجاح في تعزيز الحوار البنّاء بينها، صلاح العالم والبشرية، واستتباب الأمن والسلام في ربوعه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بيانات أخرى

No press releases assigned to this case yet.

مؤتمر بالفيديو لبحث آثار جائحة كورونا على جامعات منظمة التعاون الإسلامي


صندوق التضامن الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي يسلم الدفعة الأولى من الدول الأعضاء الأقل نموا منحة مالية عاجلة لمواجهة تداعيات كورونا


العثيمين: وكالات الأنباء في دول "التعاون الإسلامي" تدحض الأخبار الزائفة في جائحة كورونا


مواصلة لجهود المنظمة في مواجهة جائحة كورونا المستجد صندوق التضامن الإسلامي يشرع في إجراءات تقديم منحة مالية عاجلة للدول الأعضاء الأقل نموا


البيان الختامي للاجتماع الطارئ الافتراضي للجنة التنفيذية لمنظمة التعاون الإسلامي المعقود على مستوى وزراء الخارجية حول الآثار المترتبة عن جائحة مرض كورونا المستجد (كوفيد-19) والاستجابة المشتركة لها


وزراء خارجية اللجنة التنفيذية: تعزيز الإجراءات الوطنية لدول "التعاون الإسلامي" للتخفيف من وطأة تداعيات وباء كورونا المستجد


مجمع الفقه التابع لمنظمة التعاون الإسلامي يصدر توصيات ندوة "فيروس كورونا المستجد وما يتعلق به من معالجات طبية وأحكام شرعية"


منظمة التعاون الإسلامي ترفض استهداف المسلمين من طرف بعض الأوساط في الهند في ظل ازمة جائحة كورونا


العثيمين يدعو إلى اللجوء لأحكام فقه النوازل وحفظ النفس في محاربة وباء كورونا المستجد


العثيمين يخاطب ندوة مجمع الفقه الإسلامي الدولي حول الأحكام المتعلقة بانتشار جائحة كورونا


البيان الصادر عن الاجتماع الطارئ للجنة التوجيهية لمنظمة التعاون الإسلامي المعنية بالصحة بشأن جائحة كورونا


العثيمين يدعو الاجتماع الافتراضي بشأن كورونا المستجد للعمل الجماعي في مواجهة الجائحة


كتاب اليوبيل الذهبي لمنظمة التعاون الإسلامي

المؤتمر الدولي للعلماء المسلمين حول السلم والأمن في أفغانستان