التاريخ: 12/10/2009
القاهرة، 11 أكتوبر 2009 م بسـم الله الرحمـن الرحيـم معالي الوزراء ؛ معالي سفراء الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي ؛ أصحاب المعالي والسعادة ؛ حضرات السيدات والسادة ؛ إنه لمن دواعي السرور والافتخار أن نحتفل اليوم بالذكرى الأربعين على تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي والتي تُعنى بتعزيز أواصر التضامن والتعاون بين دولها الأعضاء، وتنسيق جهودها في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. وإننا وإذ نقيم حفلنا هذا في مدينة القاهرة العريقة على أرض الكنانة، لنستذكر الدور التاريخي الرائد الذي قامت به مصر على مدى مختلف العصور في سبيل نشر الإسلام والدفاع عنه، خاصة من خلال مؤسسات عريقة كالأزهر الشريف. كما كان لجمهورية مصر العربية دورا أساسيا في دعم مسيرة منظمة المؤتمر الإسلامي ودعم التضامن بين أبناء أمتنا الإسلامية. ولا يسعنا في هذا المجال إلا أن نتقدم بأسمى آيات العرفان والتقدير لفخامة الرئيس محمد حسني مبارك على رعايته المستمرة للمنظمة ودعمه لها. وتجسيدا لهذا الدور التاريخي الهام، ستحتضن أرض مصر مؤتمر القمة الإسلامي القادم المقرر إقامته عام 2011. فبعد مرور أربعة عقود على تأسيسها أصبحت المنظمة تشكل فضاءً يؤطر جزءاً مهماً من العلاقات الخارجية لدولها الأعضاء، ومن حيث الحجم، أضحت المنظمة تتبوأ المرتبة الثانية على مستوى المنظمات السياسية في العالم بعد الأمم المتحدة، كما تُعتبر صوت العالم الإسلامي والممثل لمليار ونصف المليار مسلم ينتشرون على نطاق جغرافي واسع يمتد من شواطئ المحيط الأطلسي إلى تخوم الصين وشواطئ جزر الفلبين وإندونيسيا، إضافة إلى أمريكا الجنوبية. إن إنشاء المنظمة في عام 1969 بالرباط – المملكة المغربية خلال اجتماع قمة قادة الدول الإسلامية يجسد أبرز تطور يشهده التاريخ المعاصر للعالم الإسلامي، فقد كان إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي بمثابة تحقيقٍ لتطلعات الأمة الإسلامية لتأسيس مظلة مؤسساتية تجسد للتضامن الإسلامي بحيث وفر قيام المنظمة للعالم الإسلامي مؤسسة حديثة تختلف عن المظلة التقليدية المتمثلة في الخلافة التي عاش العالم الإسلامي تحت ظلالها إلى حدود عام 1924. في الواقع، وباعتبارها تمثل إطاراً حديثاً في الحياة المعاصرة للعالم الإسلامي، فإن المنظمة تؤدي دور المحرك الذي يدفع بعجلة التقدم والازدهار في العالم الإسلامي، فهي تعتبر الإطار الذي يجمع المسلمين، حيث يلتئم قادة العالم الإسلامي لمناقشة شؤونهم وصياغة قراراتهم المشتركة بهدف تأمين وخدمة مصالحهم وقضاياهم. ومن بين المهام التي تضطلع بها المنظمة في الوقت الراهن تقديم ونشر الصورة الحقيقية والمشرقة للإسلام في مختلِف بقاع العالم، وذلك استناداً إلى صورة الإسلام القائم على مبدأ التراحم والتآخي من خلال تقديم قيمه النبيلة ومبادئه السامية والسمحة؛ وتُعَد المنظمة في الوقت الحاضر المتحدث باسم العالم الإسلامي الذي يتمتع بمصداقية فيما يتعلق بمختلِف قضايا الأمة الإسلامية. أيها السيدات والسادة ؛ لقد انكبت المنظمة منذ نشأتها على ترسيخ مبادئ الاعتدال والتسامح وإدانة ورفض التعصب والتطرف بمختلِف تجلياتهما وأشكالهما. وشددت المنظمة على مفهوم الحوار بين الحضارات وبين الأديان على أساس الاحترام المتبادل والمساواة بين الأطراف المتحاورة ؛ كما أن المنظمة تدافع عن مبدأ احترام حقوق الإنسان وتسعى إلى تعزيز الحكم الرشيد وتوسيع المشاركة السياسية وإرساء سيادة القانون الدولي وضمان الشفافية، إضافة إلى مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره ورفض جميع المحاولات الرامية إلى تبرير هذه الظاهرة المشينة. وتستثمر المنظمة الكثير من جهودها لتعزيز التنمية البشرية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية في الدول الأعضاء من خلال تفعيل برامج ملموسة وعملية، بما في ذلك التخفيف من حدة الفقر، إضافة إلى برامج التعليم والعلوم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى إدراج برامج للوقاية من الأمراض الوبائية والاعتناء بالطفولة، كما تعمل المنظمة بشكل دؤوب على تحقيق المصالحة بين الإسلام والغرب انطلاقاً من الإيمان بأن الحضارة الإنسانية هي اليوم حضارة واحدة لديها روافد متعددة وفروع متشعبة. فمنذ إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، عرف العالم تغيرات جدرية بحيث برزت دول جديدة على الخارطة الدولية، وتشكلت تحالفات في حين تفككت أخرى، لكن المنظمة نجحت في ظل هذه التحولات الجذرية في الصمود في وجه جميع الاختبارات بفضل مبدأ التضامن الإسلامي. منذ انعقاد القمة الاستثنائية الثالثة في ديسمبر 2005 في مكة المكرمة بهدف إحداث تغيير جذري في مسارها وتوجهاتها وأهدافها على مستوى الرؤية والاهتمامات، إضافة إلى سعيها الدؤوب نحو تمكين العالم الإسلامي من مواجهة التحديات الناشئة خلال القرن الحادي والعشرين، كما أنه منذ تشرفي بمسؤولية المنظمة في مطلع عام 2005، قمت بإطلاق برنامج واسع لإصلاح وإعادة هيكلة الأمانة العامة للمنظمة، وذلك قصد توفير الوسائل الأساسية للارتقاء بعمل المنظمة ودعم جهودها من أجل تحقيق فاعلية أكبر على مستوى الأداء وتعزيز الروابط الاقتصادية لتمتين تضامن ووحدة دولها نحو نهج ملموس وفعلي. أما على الجانب السياسي، فإن المنظمة انخرطت بصورة متزايدة من خلال مساعيها الحميدة واستخدام القنوات الدبلوماسية في تسوية النـزاعات بين الدول الأعضاء في المنظمة وتطوير شراكة متينة مع المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة، وذلك من أجل المساهمة في إحلال السلام الدائم وتعزيز ركائز الأمن في المناطق المضطربة، مثل فلسطين وأفغانستان وكشمير والصومال والعراق ودارفور وكوت ديفوار وموريتانيا وغينيا وجزر القمر، إضافة إلى النـزاع بين تشاد والسودان. وفيما يتعلق بالقضايا الخارجية،فإن المنظمة انخرطت في مجموعة من الملفات، بعضها يرتبط بقضايا المجتمعات المسلمة والتحديات التي تواجهها في الغرب والفلبين والصين وأماكن أخرى من العالم، بحيث قامت بعثة من المنظمة بزيارة الصين في أعقاب الاضطرابات التي شهدها إقليم الحكم الذاتي الإيغوري في شينجيانغ في يوليو المنصرم، كما أن ظاهرة الإسلاموفوبيا أو التخويف من الإسلام تُعتبَر من القضايا التي تعمل المنظمة بشكل مكثف ومتواصل على مكافحتها، وذلك بغية ترسيخ مفهوم وأهمية الحوار بين الأمم والحضارات. فمنظمة المؤتمر الإسلامي تبذل قصارى جهدها لتكريس إطار لمكافحة مظاهر التعصب والتمييز وكراهية الأجانب، حيث أقدمت على إحالة قضية الإساءة للأديان إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وإلى منظمة اليونسكو، التي اتخذت قرارات عديدة على مدى السنوات القليلة المنصرمة تنص على مبدأ احترام الأديان مع التركيز بصورة خاصة على الإسلام. كما أن المنظمة انخرطت في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين وحقهم في تأسيس دولة مستقلة عاصمتها القدس ونددت بأعمال الترهيب والهدم التي تتابعها إسرائيل التي نفذت عمليات هدم لا تُحصى استهدفت البيوت الفلسطينية، بما في ذلك العديد من المواقع التاريخية والدينية بغرض تشديد قبضتها وتهويد مدينة القدس وسلخها عن باقي مناطق الضفة الغربية، بالإضافة إلى ذلك فإن إسرائيل تفرض تدابير تقييدية قاسية على مشاريع البناء الفلسطينية وتعمل على مصادرة وثائق هُوية المقدسيين الذين يعيشون خارج المدينة من أجل الحد من عدد الفلسطينيين في المدينة. وهنا يجب التأكيد على ضرورة الدفاع عن مدينة القدس وإنقاذها قبل فوات الأوان وذلك بتقديم مساعدات مالية عاجلة لفائدة السكان العرب والمسلمين والمؤسسات الإسلامية في مدينة القدس. أيها السيدات والسادة ؛ إننا في المنظمة نسعى جاهدين من خلال استنادنا إلى ميثاقنا الجديد إلى بناء إنسان مسلم برؤية جديدة، وذلك من خلال تحقيق التوافق بين تراثنا الإسلامي مع الجوانب الإيجابية التي يكتنفها الحاضر ويتطلع إليها المستقبل. كما أننا نأمل أن يتمكن العالم الإسلامي من الانخراط في مسيرة العالم بعزيمة قوية وإيمان راسخ وعقلية منفتحة أساسها العلم والمنهجية العقلانية وأسلوبها الحوار وهدفها الثابت تحقيق التضامن بين شعوبنا. وفي الأخير أجدد تشكراتي وامتناني الخالص لفخامة الرئيس محمد حسني مبارك على رعايته الدائمة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وإلى حكومة وشعب جمهورية مصر العربية على استضافتها للمعرض التجاري الثاني عشر للدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي واحتضانها لهذا الحفل البهيج وعلى الدعم التي ما فتئت تحيط به منظمة المؤتمر الإسلامي في سبيل تحقيق الازدهار والرخاء لشعوبنا. وفقنا الله جميعا لما فيه خير لأمتنا الإسلامية والله السميع المجيب والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته