التاريخ: 25/09/2009
أصحاب المعالي الوزراء،، أصحاب المعالي، أيها الإخوة والأخوات،، إنه لمن دواعي سروري أن أرحب بكم جميعاً اليوم ونحن نبدأ بفضل الله الاجتماع التنسيقي السنوي لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. أود في أيضا أن أعرب عن خالص الشكر والتقدير للجمهورية العربية السورية على الاستضافة والتنظيم الناجحين لاجتماع مجلس وزراء الخارجية في دورته السادسة والثلاثين في دمشق في الفترة من 23 إلى 25 مايو 2009، وهو الاجتماع الذي اعتمد قرارات بالغة الأهمية بغية تعزيز العمل الإسلامي المشترك. يوافق اليوم، الخامس والعشرون من شهر سبتمبر، الذكرى الأربعين لتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي، وبهذه المناسبة العظيمة أود أن أعرب عن خالص التهاني القلبية لأفراد أسرة المنظمة متمنياً لهم ولها مستقبلاً زاهراً وتقدماً ورخاءً. وكما تعلمون سيجري الليلة الاحتفال بهذه المناسبة بحفل يقام في رواق ستار لايت روف بفندق ولدورف أستوريا بمدينة نيويورك. وأتمنى أن أراكم جميعا هناك ونحن نخلد هذه المناسبة المتميزة. أصحاب المعالي، حضرات السيدات والسادة،، إننا محظوظون بوجود منظمة مثل منظمة المؤتمر الإسلامي تعيد جمع صفوفنا وتوحد كلمتنا وتدافع عن قضايانا المشتركة. لقد مرت 40 سنة منذ أن قام أسلافنا بتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي، ومنذ ذلك الوقت توالى المد والجزر على الصعيد الدولي، فبزغ فجر أمم جديدة وتكونت تحالفات وسقطت أخرى، بيد أن المنظمة، وبالرغم من هذه التحولات الجذرية، استطاعت أن تجتاز هذه المحن بفضل التضامن الإسلامي. ومع حلول عام 2005 وبمبادرة واعية وحكيمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، انعقدت القمة الاستثنائية الثالثة للمنظمة بمكة المكرمة بغية إحداث تغيير جذري في مسيرة عمل المنظمة وأهدافها ورؤيتها واهتماماتها، وتمكين العالم الإسلامي من مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. أصحاب المعالي الوزراء، أصحاب المعالي، منذ أن استلمت مهامي في بداية عام 2005، شرعت في حملة كبيرة لإصلاح الأمانة العامة للمنظمة وإعادة هيكلتها من أجل مدها بالوسائل الأساسية التي تعطي لجهودها وعملها فاعليةً أكبر. وقد قمنا على مدى الأربع سنوات الماضية بالعمل بجد على مختلف الجبهات هدفنا في ذلك خدمة المصالح العليا والدفاع عن قضايا العالم الإسلامي العادلة. وحيث أن القضايا الاقتصادية تشكل عصب أي تجمع أو منظمة، فقد كنا دوما على اقتناع بأن تقوية العلاقات الاقتصادية بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي هو السبيل الأمثل لتعزيز التعاون الحقيقي فيما بينها وتقوية وحدتها. ووعيا منا بهذه الحقيقة، أطلقنا عددا من البرامج الرامية إلى زيادة التجارة البينية وتنمية الاستثمار والتخفيف من حدة الفقر وبناء القدرات في ميدان الصناعات الغذائية وتطوير البنيات الأساسية وتمكين النساء. ويتم تنفيذ هذه الأعمال وغيرها بمشاركة فاعلة من مختلف أجهزة المنظمة ومؤسساتها. وجاء تبني القمة الاستثنائية الثالثة لبرنامج العمل العشري ليمدنا بقوة دفع كبيرة وبمجال أرحب للعمل. وفي نفس هذا المنظور، تم اعتبار اعتماد الميثاق الجديد للمنظمة بمثابة إنجاز تاريخي، حيث وضع هذا الميثاق أساساً لميلاد جديد للعمل الإسلامي المشترك. وكان من أبرز الأهداف التي حددها برنامج العمل العشري فيما يتعلق بالتجارة البينية زيادة مستوى هذه التجارة بنسبة 20% في أفق سنة 2015. ويسرني أن أخبركم بأن المنظمة هي الآن على الطريق الصحيح بل وفاقت كل التوقعات، فمستوى التجارة البينية بلغ .18.87% سنة 2008. كما أود أن أثير انتباهكم إلى اعتماد المنظمة لنظام الأفضلية التجارية مؤخرا، وهي خطوة تهدف إلى استكمال العمل الاقتصادي المشترك في المنظمة وإنشاء منطقة للتبادل الحر داخل هذا التجمع المتعدد الأطراف. أصحاب المعالي الوزراء، على الصعيد السياسي، ما فتئت أسخر مساعي الحميدة بشكل متزايد وأنخرط في الدبلوماسية الوقائية لتسوية بعض النزاعات بين الدول الأعضاء. كما أعمل على تطوير شراكة متينة مع المنظمات الإقليمية والدولية ذات الصلة بغية المساهمة بفاعلية في إحلال السلام والأمن الدائمين في عدد من بؤر التوتر كفلسطين وأفغانستان وكشمير والصومال والعراق ودارفور وكوت ديفوار وموريتانيا وغينيا والقمر، وكذلك فيما بين تشاد والسودان. لكنه، وللأسف الشديد، يستمر العنف في الصومال بمستوى غير مقبول محدثا كارثة إنسانية ومفقدا البلاد استقرارها. ولقد عقد مجلس وزراء الخارجية الذي عقد في دورته السادسة والثلاثين في دمشق قبل بضعة أشهر جلسة موضوعاتية حول الدور المستقبلي لمنظمة المؤتمر الإسلامي في الحفاظ على السلم وتسوية النزاعات في الدول الأعضاء. ويجب أن تبقى هذه المسألة واحدة من بين أهم المسائل التي تحظى باهتمامنا. فكما تتذكرون، أكدت الدورة السادسة والثلاثين لمؤتمر وزراء الخارجية في دمشق على ضرورة إجراء دراسة معمقة لهذه المسألة ودعت الدول الأعضاء إلى تزويد الأمانة العامة خلال شهرين بآرائهم في هذا الموضوع. وهنا، أود أن أطلب من موافاتنا بآرائكم حول هذا الموضوع حتى نتمكن من مواصلة جهودنا امتثالا للقرار الذي اعتمد في دمشق. وفي سياق متصل، ما يزال مشروع النظام الأساسي للهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان قيد الدراسة وسيتم استكماله قريبا. وسيرفع إلى الاجتماع المقبل لمجلس وزراء الخارجية المزمع عقده في طاجكستان لتدارسه وإمكانية اعتماده. وجاء اعتماد خطة منظمة المؤتمر الإسلامي للنهوض بالمرأة مؤخرا ليؤكد بوضوح الرؤية المعتدلة والحداثية للمنظمة فيمل يرتبط بأهدافها المتعلقة بالتنمية الاجتماعية. كما تم إشراك مؤسسات منظمة المؤتمر الإسلامي المتخصصة والمتفرعة في معالجة القضايا المرتبطة بالشباب والطفولة. وعلى الصعيد الداخلي، يسرني أن أخبركم بأننا سننتقل عما قريب إلى مقرنا الجديد، في انتظار بناء المقر الدائم للمنظمة بفضل الالتفاتة المشكورة لخادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد الله، عاهل المملكة العربية السعودية. فقد وضعت الحكومة السعودية رهن إشارتنا مبنى جديدا وأكبر من حيث المساحة كمقر للمنظمة. وسيمكننا هذا من العمل في جو أكثر راحة ومن إيواء موارد بشرية أكثر نحن في حاجة ماسة إليها للقيام بنشاطات المنظمة الآخذة في التوسع في مختلف المجالات. وبهذه المناسبة، أود أن أعرب عن شكرنا وامتناننا لحكومة المملكة العربية السعودية ولوزارة المالية السعودية. وفي نفس السياق، نأمل توظيف موظفين شباب ذووا مؤهلات عالية وتجربة كبيرة في مجال العلاقات الدولية لتعزيز قدراتنا بشكل أكبر. وبهذه المناسبة أدعوكم إلى تزويدنا بمرشحين شباب ذووا تجربة كبيرة لشغل المناصب التي سيتم إحداثها. وحتى نتمكن من ذلك، سنكون بحاجة إلى تمويل جديد لأن مواردنا المالية الحالية لا تسمح بتغطية مناصب الشغل الجديدة التي نحن بحاجة إليها. وفي نفس الإطار، أود أن أخبركم بأننا ونحن نخلد الذكرى الأربعين لإنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، فإننا نعمل مع السلطات السعودية ونتعاون معها لاستكمال اتفاق المقر بين الطرف السعودي والمنظمة. وهنا أود أن أعرب عن امتناننا للجهود التي تبذلها السلطات السعودية لإتمام هذا الاتفاق. أصحاب المعالي، حضرات السيدات والسادة، على الصعيد الخارجي، لم نحد بأعيننا عن الأوضاع المزرية التي تعيشها الجماعات والمجتمعات المسلمة سواء في الغرب أو في الفلبين وتايلاند والصين أو في غيرها من المناطق. فجميع هذه الجماعات تحظى بدعمنا. وقد قامت بعثة من المنظمة بزيارة للصين عقب الأحداث التي عرفتها منطقة كزينج يانغ أويغور في شهر يوليو هذه السنة. وما تزال أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 تلقي بظلالها على المسلمين، فيما يشكل تفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا مبعثا للقلق العميق. لهذا‘ فإننا نعمل جاهدين في منظمة المؤتمر الإسلامي كل يوم لغرس ثقافة الحوار بين الحضارات. ونبذل كل ما في وسعنا لنُفعّل بشكل تام الإطار المعياري لمكافحة التعصب وكراهية الأجانب والتحامل على الأديان. وفي هذا الصدد، لجأنا إلى تحكيم المجتمع الدولي وأحلنا مسألة الإساءة إلى الأديان إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وإلى لجنة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة. ولقد حصلنا على نتائج مرضية من المنتديين اللذين اعتمدا عدة قرارات نصت على احترام الأديان وبالأخص الإسلام. كما توجت نفس المساعي لدى منظمة اليونسكو بنجاح مماثل. لقد قمنا على مدى السنوات الأربع الماضية بإطلاق حملة واسعة ومركزة للعلاقات العامة شملت عددا من الاجتماعات والمحاضرات على مستوى المسؤولين وصناع القرار الأوربيين من جهة والمجتمعات المدنية والمنظمات غير الحكومية وخلايا التفكير والطبقة المثقفة والأكاديميين من جهة ثانية. ولقد وقعنا مذكرة تفاهم مع تحالف الحضارات وتعاملنا مع جميع المنظمات والهيئات الإقليمية الأوربية بدءاً بالمفوضية الأوربية ووصولا إلى المجلس الأوربي والبرلمان الأوربي ومنظمة الأمن والتعاون في أوربا، وغيرها من المنظمات. وقمنا بالعمل نفسه في الولايات المتحدة الأمريكية التي حقق فيها عملنا نجاحاً باهراً. ولم أتوانى يوما في التعبير عن رغبة العالم الإسلامي في الارتباط بالولايات المتحدة الأمريكية من خلال تأسيس شراكة تروم معالجة القضايا ذات الاهتمام المشترك. فبعد فترة طويلة من التنافر والقطيعة بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة الأمريكية الذي خلفته أحدات الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها وما اصطلح عليه بالحرب على الإرهاب، توجت مثابرتنا بإنجاز غير مسبوق في العلاقات بين العالم الإسلامي وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تجلى هذا الإنجاز خلال المراحل النهائية لإدارة الرئيس بوش في تعيين مبعوثٍ خاصٍ لدى منظمة المؤتمر الإسلامي. وفي يوم تنصيب الرئيس أوباما لولايته الرئاسية، وجهت إليه خطابا مهما نشر في أهم الصحف الأمريكية يوم 20 يناير 2009 دعونا فيه إلى بداية جديدة للعلاقة بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة. وبفضل تشجيعنا، عقد مجلس الشيوخ الأمريكي للمرة الأولى يوم 26 فبراير 2009 جلسة حول "الارتباط مع المجتمعات الإسلامية في العالم". ومن جهته، خاطب الرئيس أوباما العالم الإسلامي من جامعة القاهرة يوم 4 يونيو 2009 معبراً عن نيته الحسنة تجاه العالم الإسلامي. وجاء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأربعاء ليمنحنا مزيدا من الأمل بأن هناك مسعى أمريكيا جديا واعدا لحل أزمات فلسطين والشرق الأوسط. كما تم افتتاح مكتب في وزارة الخارجية الأمريكية يعنى بشؤون العالم الإسلامي. وما كان من العالم الإسلامي إلا أن رحب بانفتاح الرئيس أوباما، ونتمنى أن يعقب هذه الالتفاتة الودية الهامة عمل ملموس وبرامج خاصة. أصحاب المعالي، حضرات السيدات والسادة، بالرجوع إلى الواجهة الداخلية، أود القول بأن على كل مسلم مخلص أن يشعر بالأسى والفجع من جراء العنف والمجازر الدموية التي تنخر جسد بعض بلداننا الأعضاء وتزيد من معاناتها كما هو الحال في أفغانستان والعراق وفلسطين واليمن وغيرها. إنها مأساة حقيقية أن نرى المسلمين يقتل بعضهم بعضا مهما كانت الذرائع، في وقت يرزح فيه الإسلام والمسلمون تحت وطأة العدوان والاحتلال الأجنبي ويحرمون من أبسط حقوقهم الأساسية في كل من فلسطين والفلبين وتايلاند وكشمير وأذربيجان وقبرص، وغيرها من البلدان. ينتابني عميق الحزن والأسى بسبب هذا الاقتتال. وإنني أندد بأي اقتتال بين المسلمين كيفما كانت دوافعه، خاصة عندما تقدم حجة الدفاع عن الإسلام كمبرر لهذا القتل. هذه الأعمال الوحشية لا علاقة لها بالإسلام ومرتكبوها يقفون ضد تعاليم الإسلام الحقيقية التي تقدس الروح البشرية وتحرم القتل خارج نطاق القانون والعدالة. وأدعو من هذا المنبر إلى وقف فوري للعنف وعمليات القتل في العراق وأفغانستان وغزة والصومال واليمن ودارفور. لقد ضلت مسألة القدس بندا دائما في جدول أعمال منظمة المؤتمر الإسلامي منذ تأسيسها قبل أربعين سنة خلت. لكننا نلتقي اليوم في وقت يواجه فيه القدس الشريف أشرس حملة تهويد على الإطلاق، ما يشكل تهديدا حقيقيا على هويته التاريخية. فالمدينة المقدسة باتت اليوم محاطة بأحزمة من المستوطنات من جهة الجنوب ومن شرق المدينة وشمالها. فمنذ مجيء نتنياهو على رأس الحكومة في إسرائيل، قامت سلطات الاحتلال بهدم أعداد هائلة من المنازل الفلسطينية، بما فيها عدد من المواقع التاريخية والدينية. وترمي السياسة الاستيطانية في شرق القدس إلى ضمان تحكم تام في المدينة وتهويدها بغية فصل القدس عن باقي مناطق الضفة الغربية. ومن جانب آخر، تفرض سلطات الاحتلال إجراءات منع قاسية على الفلسطينيين الراغبين في البناء، ما يجعل الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس يواجهون مشكلة عويصة تتمثل في ارتفاع الكثافة السكانية. ويكمن الهدف من وراء هذه الإجراءات في الضغط على الفلسطينيين لحملهم على مغادرة المدينة. ويعاني قطاع التعليم في القدس من جهته من سلسلة من الصعوبات الناجمة عن هزالة الموارد. وكنتيجة لذلك، وجد ما يزيد عن تسعة آلاف تلميذ فلسطيني أنفسهم خارج المدارس بسبب العدد غير الكافي من القاعات الدراسية. ويواجه قطاع الصحة مشاكل من نفس النوع، فالمستشفيات الفلسطينية تعاني من توقف خدماتها. كما تصادر إسرائيل وثائق هوية مواطني القدس الذين يعيشون خارج المدينة. وتهدف هذه السياسية إلى تخفيض عدد الفلسطينيين في المدينة وجعلهم مجرد أقلية في مدينتهم. وترمي الحملة الشرسة على القدس الشريف كذلك إلى إضعاف الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة، ولاسيما المسجد الأقصى حيث أعمال الحفر المكثفة جارية حوله ومن تحته. ولسنا بحاجة إلى القول بأن هذه الأعمال الإسرائيلية تشكل خرقا سافرا لمعاهدات فيينا وللقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وكذا لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. حضرات الوزراء الموقرين، أصحاب المعالي، حضرات السيدات والسادة، في هذه الأوقات الحاسمة من مستقبل القدس، أناشدكم أن تهبوا لانقاد القدس الشريف قبل فوات الأوان. هناك حاجة عاجلة إلى دعم سكان المدينة العرب والمسلمين وكذا المؤسسات الإسلامية والمسيحية ماديا وبشتى الوسائل الأخرى في مجالات التربية والصحة والسكن. إني أهيب بكم أن تساعدوهم لمقاومة العدوان الإسرائيلي وتمكينهم من التمسك بمدينتهم والبقاء فيها في تحد للتدابير الإسرائيلية الرامية إلى طردهم من مدينتهم الأم. أنا واثق بأن ندائي قد وصلكم وبأن العمل الإسلامي المشترك سيكون أساسيا لانقاد هذه المدينة المقدسة من هذه الأخطار المحدقة.