التاريخ: 22/02/2007
بسم الله الرحمن الرحيم معالي الوزراء، السيدات والسادة رؤساء وأعضاء الوفود، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أتوجه إليكم بالتحية والاحترام وبجزيل الشكر لتلبيتكم الدعوة لحضور هذا الاجتماع لبحث ما تقترفه إسرائيل من اعتداءات سافرة ضد قبلة المسلمين الأولى ومسرى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. حيث تستمر قوة الاحتلال بانتهاك القوانين الدولية واتفاقية جنيف الرابعة والاعتداء على المسجد الأقصى المبارك غير آبهة بمشاعر وعقائد المسلمين. أود في البداية التذكير بأن قضية القدس الشريف ومسجدها الأقصى المبارك كانت السبب الرئيس لإنشاء هذه المنظمة منذ أكثر من سبع وثلاثين عاماً، حيث شكلت القدس قضيتها الأولى وتصدرت جدول أعمالها طوال كل هذه السنين. لذا فإن الدفاع عن مسجدها وصيانة مقدساتها وهويتها العربية الإسلامية والعمل على عودتها للسيادة الفلسطينية يجب أن يبقى هدفاً نشطاً نسعى لتحقيقه، خاصة في ظل السياسات الإسرائيلية التي تسعى إلى إحكام السيطرة على المدينة المقدسة بغية تهويدها. إن ما أقدمت عليه إسرائيل مؤخراً من حفريات في باب المغاربة بجوار المسجد الأقصى المبارك هو انتهاك خطير للقانون الدولي الذي يحرِّم على دولة الاحتلال تغيير المعالم الطبيعية والديموغرافية والحضارية في الأراضي التي تحتلها. كما أن هذه الحفريات تعتبر اعتداءاً سافراً على مقدسات المسلمين ومساساً بأحد أهم مقدساتهم الأمر الذي يستوجب عملاً إسلامياً جماعياً فاعلاً لوقفها ومنع تكرارها. كما أن ما تتعرض له مدينة القدس ومسجدها الأقصى يشكل أيضاً اعتداءاً على التراث الحضاري الإنساني. وأود هنا أن أعبر عن استغرابي الشديد من صمت المجتمع الدولي على هذه الاعتداءات الإسرائيلية وهو الذي هب سابقا لحماية مقدسات ديانات أخرى واتخذ مواقف حاسمة لمنع الاعتداء على التراث الحضاري والإنساني في أماكن عديدة من العالم والأمثلة أكثر من أن تعد أو تحصى. وفي هذه المناسبة أود أن أوجه نداءاً من منظمة المؤتمر الإسلامي إلى العالم اجمع بأن القدس مدينة مقدسة محتلة يجب أن تعود إلى أصحابها الفلسطينيين، كما يجب الحفاظ على هويتها الأصيلة كثروة إنسانية عالمية وكمدينة تلتقي فيها الديانات السماوية وتتوجه إليها أفئدة المؤمنين من الديانات كافة. معالي الوزراء، السيدات والسادة رؤساء وأعضاء الوفود، لقد حاولت إسرائيل أن تخدع العالم بالقول أنها أوقفت الحفريات التي تنفذها في منطقة باب المغاربة، وهذا غير صحيح فالحفريات مستمرة وما حدث هو تعليق مؤقت لبناء الجسر الذي تقوم إسرائيل بإنشائه في منطقة الحفريات. وعلينا أن نتنبه إلى هذا المر وأن نواصل جهودنا وضغوطنا من اجل منع استمرار أعمال الحفر هذه. وفي هذا الإطار أود التأكيد أن هذه الحفريات ليست اعتداءاً معزولاً، وإنما هي سياسة إسرائيلية ممنهجة ومتواصلة منذ سنوات عديدة تهدف إلى تهويد مدينة القدس وتغيير هويتها وتزوير تاريخها. فحجم الانتهاكات التي تتعرض لها مدينة القدس ومقدساتها كبير جداً، وهو من الخطورة بما يكفي لإثارة مخاوفنا جميعاً بأن نصحو ذات صباح لنجد أن المسجد الأقصى قد انهار جرّاء ما تقوم به إسرائيل. وهذا ليس من باب التهويل أو المبالغة فقد بلغ الغلو في الاعتداءات الإسرائيلية مبلغا كبيراً يستوجب التحرك بشكل عاجل. واسمحوا لي أن اطرح تصوري إزاء ما يمكن أن نقوم به تجاه مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأود التأكيد في هذا السياق أنه بالرغم من الأهمية الكبيرة للدور الذي يمكن أن نقوم به على صعيد التحرك السياسي، إلا أن الحفاظ على مدينة القدس يتطلب جهداً موازيا من نوع خاص يرتبط بالعمل في القدس ذاتها حيث أثبتت الوقائع أن أخطر ما يتهدد هوية القدس الإسلامية هو سياسة الأمر الواقع التي تنتهجها إسرائيل في سعيها لتهويد المدينة، ولم تكتفي إسرائيل بالاحتلال العسكري للمدينة المقدسة وإنما تسعى إلى تغيير الواقع الجغرافي والسكاني والعمراني فيها والضغط على سكانها الفلسطينيين بشتى الوسائل والسبل لإجبارهم على الرحيل عن مدينتهم أو التسليم بالأمر الذي تحاول إسرائيل فرضه بالقوة. إن التقارير الواردة من مدينة القدس تشير إلى تراجع خطير في مقومات الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية في مختلف القطاعات الحيوية في المدينة المقدسة. وهو تراجع يمكن أن يعزى في جانب كبير منه إلى عدم توفر المساعدات اللازمة لدعم صمود الفلسطينيين المقدسيين وتقوية صمودهم. فهناك أكثر من أربعين ألف فلسطيني هم خمس سكان مدينة القدس حاولت إسرائيل عزلهم خلف جدار الفصل العنصري من أجل إفراغ المدينة من سكانها الفلسطينيين، ولكنهم صامدون ويتمسكون بالعيش في مدينة القدس في ظروف غاية في الصعوبة وتفتقر إلى أدنى مقومات الحياة من حيث توفر المساكن والخدمات. وإضافة إلى ذلك، فقد سعت إسرائيل إلى القضاء على كل ما هو غير يهودي في مدينة القدس بما في ذلك القطاعات الحيوية التي ترتبط مباشرة بحياة المواطنين الفلسطينيين. ففي قطاع التعليم مثلا، ونظراً لشح الموارد المادية التي أدت إلى تهالك المباني المدرسية الفلسطينية في مدينة القدس، سعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى محاصرة هذا القطاع الحيوي وإضعافه. والحال هذا ينطبق على قطاع الصحة حيث سعت إسرائيل إلى فرض نظامها الصحي على المواطنين الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة وذلك بتوفير بدائل لا يمكن لمستشفيات القدس الفلسطينية أن توفرها نظراً لشح مواردها وانعدام الدعم المادي الذي يؤمن لها البقاء وتوفير الخدمة الطبية للمواطنين الفلسطينيين. فهذا القطاع أيضاً يقف على شفير الانهيار بسبب قلة الأموال اللازمة لإبقائه فاعلاً ليلعب دوره في الحفاظ على الهوية الأصيلة لمدينة القدس. وهذا الحال ينطبق أيضا على قطاعات الاقتصاد والإسكان وباقي الخدمات الاجتماعية التي تسعى إسرائيل من خلالها إلى جعل بقاء الفلسطينيين في مدينة القدس مستحيلاً بما يسهّل تفريغها من سكانها وتهويدها. إن الطريق الأمثل للحفاظ على المدينة المقدسة هو الإنسان الفلسطيني الذي يعيش فيها. لذا يجب العمل على إفشال المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى إفراغ المدينة من سكانها، وهذا يتطلب توفير مقومات البقاء والصمود لأهلها وهم يؤدون واجب الدفاع عن مدينتهم وعن مقدساتنا جميعاً. وهنا يأتي دور الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي في تقديم دعم مادي واسع النطاق لمؤسسات القدس من مستشفيات ومدارس ومؤسسات الرعاية الاجتماعية بما يعين المدينة الصابرة الصامدة على مقاومة ما يتربص بها من مخططات تستهدف هويتها وتاريخها. وفي هذه المناسبة أدعو الدول الأعضاء إلى الإعلان عن مساهماتها في وقفية صندوق القدس حتى يتم العمل على إيصال كل أشكال الدعم والمساعدة لمدينة القدس وأهلها الصابرين المجاهدين الذين يقفون على ثغر من أهم ثغور الأمة في الدفاع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسول الله صلى عليه وسلم. إن الأمانة ثقيلة ويتطلب أداؤها أن ننسق جهودنا ونوحد طاقاتنا كدول أعضاء وأمانة عامة. ونحن سنقوم بكل ما تسمح به أقصى طاقاتنا للمساعدة على تنفيذ ما تقرره الدول الأعضاء في هذا الشأن. وقد سعينا منذ اليوم الأول للاعتداء الإسرائيلي الأخير على المسجد الأقصى المبارك إلى القيام بكل ما نستيطع القيام به وفي الحدود القصوى لما هو متاح لنا من إمكانيات حيث قمنا بإدانة جريمة الاعتداء على المسجد الأقصى منذ اليوم الأول لارتكابها وسعينا إلى تحرك إسلامي جماعي لمواجهة الخطر المحدق بمسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضمن هذا السعي بحثت مع دولة السيد عبد الله بدوي رئيس وزراء ماليزيا رئيس القمة الإسلامية العاشرة ما تقترفه إسرائيل من اعتداءات ضد المسجد الأقصى المبارك وضرورة التحرك لوقفها. وقد أبدى تخوفه من أن الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة سوف تؤدي إلى تفاقم الأمور بشكل يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، الأمر الذي يستدعي تدخلا عاجلا من مجلس الأمن الدولي لمعالجة هذا التصعيد الإسرائيلي. وكذلك وجهت رسالة إلى رئيس المؤتمر الوزاري والى عدد من وزراء خارجية الدول الأعضاء لإطلاعهم على ما ترتكبه إسرائيل ضد المسجد الأقصى ولتأكيد ضرورة التحرك لدى الأطراف الدولية الفاعلة من أجل منع إسرائيل من تنفيذ مخططها. كما طلبت من مندوب المنظمة الدائم لدى الأمم المتحدة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنسيق جهود المجموعة الإسلامية للتحرك على مستوى الأمم المتحدة لوقف الانتهاكات الإسرائيلية. وضمن هذا الإطار، عقدت المجموعة الإسلامية في نيويورك اجتماعا على مستوى السفراء أصدرت في ختامه بياناً أدانت ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات ضد الحرم القدسي الشريف، وتم تشكيل لجنة لمقابلة الأمين العام للأمم المتحدة والذي أعرب عن تفهمه لحساسية هذا الموضوع الخطير وقام بمخاطبة اللجنة الرباعية في هذا الشأن. كما اجتمعت اللجنة أيضاً مع رئيس مجلس الأمن الدولي وأطلعته على ما تقترفه إسرائيل وأكدت ضرورة أن يتحمل مجلس الأمن مسؤولياته في حمل إسرائيل على وقف انتهاكها للقانون الدولي، وقد وعد رئيس مجلس الأمن بنقل الموقف الإسلامي إلى أعضاء المجلس. ولا بد من الإشارة إلى أنني بحثت الانتهاكات الإسرائيلية ضد مدينة القدس وذلك أثناء لقائي بالرئيس جاك شيراك حيث التقيته مؤخراً وأوضحت له خطورة ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات في مدينة القدس وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أوضحت ذات الأمر لوزير خارجيته الذي بحثت معه أيضا أوضاع الشرق الأوسط وطلبت منه وقف مشاركة شركتين فرنسيتين في مشروع إقامة خط سكة الحديد الذي يربط المستوطنات المحيطة بمدينة القدس. وقد التقيت أيضا بسفراء الدول الإسلامية المعتمدين ودعوتهم إلى التحرك لدى منظمة اليونسكو لمنع إسرائيل من تنفيذ اعتداءاتها ضد الأماكن الإسلامية المقدسة والكف عن محاولات تزوير وتغيير الهوية الحضارية والتاريخية لمدينة القدس. كما تجدر الإشارة إلى أنني وجهت رسائل كثيرة إلى عدد من المسؤولين الدوليين حول الانتهاكات الإسرائيلية في مدينة القدس بمن فيهم أطراف الرباعية الدولية والمدير العام لليونسكو ووزراء خارجية عدد من الدول الأوروبية حيث أطلعتهم على ما يجري في المدينة المقدسة وطالبتهم بالضغط على إسرائيل وثنيها عن تنفيذ اعتداءاتها ومخططاتها. معالي الوزراء، السيدات والسادة رؤساء وأعضاء الوفود، لقد مرت الساحة الفلسطينية في ظروف مؤسفة من حيث الفرقة والفتنة التي أطلت برأسها في وقت كان الشعب الفلسطيني في أشد الحاجة لوحدة الكلمة والصف. ومنذ اليوم الأول لبروز الفتنة الداخلية في فلسطين بادرنا إلى الاتصال بالإخوة الفلسطينيين لحثهم على حقن دمائهم والابتعاد عن الفرقة والاقتتال خدمة لقضيتهم الوطنية. وقد قمت بزيارة إلى فلسطين والتقيت بالرئيس محمود عباس وبرئيس الوزراء إسماعيل هنية وقادة الحركة الوطنية والإسلامية في فلسطين والخارج وسعينا إلى إصلاح ذات البين ووضع حد للاقتتال والعودة بهم إلى مائدة الحوار. وقد جاءت المبادرة الكريمة لخادم الحرمين الشريفين للحوار الوطني الفلسطيني لتشكل اختراقاً مهماً في إعادة اللحمة إلى الساحة الفلسطينية والتي توجت بتوقيع اتفاق مكة المكرمة والذي أنهى الخلاف الفلسطيني، ليتفرغ الفلسطينيون لمسيرتهم الوطنية والمضي نحو الحرية والاستقلال ومواجهة المحاولات الآثمة لتهويد مدينة القدس. إن من شأن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية على الأسس التي تم الاتفاق عليها في مكة المكرمة أن يساعد العالم الإسلامي على العمل على إنهاء الحصار الظالم المفروض على الشعب الفلسطيني، وأن يشكل رافعة فعالة لإعادة الحيوية للقضية الفلسطينية وإعادة الاعتبار لمكانتها وأن يضعها مجدداً على جدول الأعمال العالمي باعتبارها لب القضايا الواجب حلها في أسرع الآجال، والتي سيؤدي حلها بشكل عادل إلى أن يستتب الأمن ويتحقق السلام. فقد آن الأوان لأن ينعم الشعب الفلسطيني كباقي شعوب العالم في الاستقلال والحرية دون ظلم أو اضطهاد أو سلب للحقوق. لقد شكل العام الماضي مثالاً جيداً للتنسيق الإسلامي في المحافل الدولية سيما في الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان. وهذا ما يعزز إيماننا بوجوب الاستمرار في العمل بروح الفريق الواحد بما يضمن لنا استثمار فاعل للوزن الذي نمثله كأمة كبيرة وذات حضارة وإمكانيات وتستطيع مواجهة التحديات ومعالجة قضاياها بفاعلية تخدم مصالح الأمة الإسلامية. وفي الختام أدعو الله أن يوفق اجتماعنا هذا إلى بلوغ غاياته النبيلة إنه سميع مجيب الدعاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته مقر الأمانة العامة-جدة - المملكة العربية السعودية 22 فبراير2007م