منظمة التعاون الإسلامي
الصوت الجامع للعالم الإسلامي

كلمة البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلى الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية هل الإسلام دخيل على أُوروبا؟

التاريخ: 29/01/2007

الضيوف الكرام اسمحوا لي بداية أن أعرب عن خالص شكري وتقديري للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية لدعوتي لأتحدث اليوم في هذا المعهد المرموق عن موضوع تزداد أهميته في السياق الدولي العصري ويستقطب اهتماماً متنامياً في كل من أوروبا والعالم الإسلامي. إن تاريخ البشرية يمثل حلقة موصولة من الأخذ والعطاء وسلسلة من التلاقح الثقافي. وما انفك البشر، منذ بزوغ فجر التاريخ، عبر ألفيتين، ينقلون الآراء ويتبادلونها حول التعامل مع الحياة وسبل البقاء والإنتاج والتجارة وتكوين الدولة والتكنولوجيا والمواضيع الثقافية والدينية. فالحدود بين الثقافات المختلفة عادة غير واضحة ويصعب تقفي أثرها. ففي أُوروبا كانت هذه الاتصالات الثقافية البينية مكثفة وتكررت كثيرا خلال الألفيتين السابقتين بحيث لا يمكن لأحد أن يجزم بكون شخص ما دخيلا على قارة أو أصيلا منها. ويمكننا أن ننظر إلى العلاقات بين الإسلام وأوروبا من خلال إطار بهذه الدرجة من التعقيد. ولعله من حسن الحظ أن نرى أن هذه العلاقات تمثل مثالا ساطعاً لعمليات بناءة تدوم لقرون من الأخذ والعطاء بين الثقافات والحضارات. ويمكن القول باطمئنان أن التفاعل بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية فريدة تاريخيا ومنقطعة النظير نظرا لاتساع نطاقها ولعمقها ولطول فترتها. وقد كان لكل من الموقع الجغرافي وروح الانفتاح والعلاقات المتداخلة وتلاق المصالح المشتركة دورا مركزيا في نسج هذه العلاقات. وقد وصل الإسلام إلى مشارف أوروبا منذ أيامه الأولى. فلم تكد أثنتا عشرة سنة تمر على وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حتى بلغ المسلمون أرمينيا وجورجيا وداغستان وغيرها بما في ذلك أجزاء من الإمبراطورية البيزنطية. وفي غضون أقل من ثمانين سنة تلت ذلك كان المسلمون قد دخلوا أسبانيا وبعد اثنتي عشرة سنة بلغوا جنوبي فرنسا. مكث المسلمون في أسبانيا قرابة الثمانية قرون. وكان لذلك الحضور أثرا بارزا في تاريخ أوروبا ودورا عظيما في نشر العلوم والمعارف والقيم النبيلة للتسامح والتعايش السلمي. ويكفينا القول أن الحضارة الإسلامية ساهمت في نهضة أوروبا وإنارتها. وهذه المساهمة غنية عن التعريف. واسمحوا لي أن أكتفي باقتباسٍ حول هذا الموضوع مما قاله أمير ويلز، صاحب السمو الملكي الأمير تشارلز في محاضرة ألقاها سنة 1993 في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية ".... إننا لم نُقدِر أهمية وجود المجتمع الإسلامي والثقافة الإسلامية في أسبانيا بين القرنين الثامن والخامس عشر، حق قدرها. فأسبانيا المسلمة لم تجمع المضامين الفكرية للحضارتين الإغريقية والرومانية القديمتين فحسب، بل شرحت هاتين الحضارتين وأثرتهما وقدمت هي مساهماتها الحيوية في عدد كبير من مجالات العطاء البشري في العلوم والفلك والحساب والجبر (وهي الكلمة التي استعارتها الإنجليزية من العربية) والقانون والتاريخ والطب والصيدلة والبصريات والزراعة والمعمار وعلم الكلام والموسيقى. وقد ساهم بن رشد وبن زهر، مَثلُهما مَثل نظيريهما بن سيناء والرازي في الشرق ، في دراسة الطب وتطبيقاته بطرق استفادت منها أوروبا لقرون تلت ذلك. وكانت قرطبة في القرن العاشر أكثر مدن أوروبا تحضرا بفارق كبير من بقية المدن. وقد جاء كثير من التجارب التي تفتخر بها أوروبا من أسبانيا المسلمة. فالدبلوماسية والتجارة الحرة والحدود المفتوحة وتقنيات البحث العلمي وعلم الاجتماع والأدب وتصميم الأزياء والطب البديل والمستشفيات، كل ذلك جاء من مدينة المدن العظيمة هذه. وكان الإسلام الذي دخل أوروبا في العصور الوسطى، دينا يضرب به المثل في التسامح، في عصره حيث أتاح لليهود والنصارى ممارسة عقائدهم الموروثة وكان مثلا، لم يحتذ به للأسف لكثير من القرون في الغرب. ومن المدهش طول الفترة التي ظل الإسلام يمثل فيها جزءا من أوروبا بداية في أسبانيا ثم في البلقان و مساهمته الكبيرة في الحضارة التي نعتقد كلنا في كثير من الأوقات، خطئا، أنها غربية مطلقة. إن الإسلام جزء من ماضينا وحاضرنا في جميع مجالات العطاء البشري. فقد ساهم في إرساء دعائم أوروبا الحديثة. وهو جزء من إرثنا و ليس منفصما عنه". نهاية الاقتباس. فهل بعد هذا الحكم من شخصية أوروبية مرموقة، مجال لوضع الإسلام في خانة الدخيل الشرير في أوروبا أم أنه من الأحرى أن ندرجه في مصاف من ساهم بشكل مقنع في رفعة القارة الأوربية وتقدمها. أضف إلى ذلك، الحكم الإسلامي في شرق أوروبا في ظل العثمانيين ضرب لنا مثلا ساطعا آخرا في التسامح والتعايش السلمي والوئام بين مواطنين من أعراق مختلفة أو ينتمون إلى معتقدات أو أديان مختلفة. وبسبب هذه المعتقدات الإسلامية التي تدعو للتسامح، اعتنق كثير من الناس الإسلام في البلقان طوعا. إن أوروبا تفخر اليوم بتطبيقها لنظام الديمقراطية وبقيمها اللبرالية العلمانية التسامحية. وجميع هذه القيم محترمة في البلدان الإسلامية. إننا نعلم أن أوروبا عانت ودفعت ثمنا غاليا من جراء حربين عالميتين في القرن الماضي. إلا أن الفظاعات التي ارتكبت خلال هاتين الحربين وحروب أوروبية أخرى، لم تقع على أيد المسلمين أو بحقهم بل كانت بين النصارى أو ارتكبها نصارى بحق يهود. والشيء الذي يكاد لا يذكر في سياق هاتين الحربين هو أن ملايين مسلمي أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، حاربوا إلى جانب الحلفاء مضحين بحياتهم. فهل يمثل كل ذلك مجرد تدخل في أوروبا أم أنه كان حلقة إيجابية في سلسلة تاريخية من التفاعل المستمر بين جارين في وقت شدة. ظل الإسلام والنصرانية، منذ القرن الثامن الميلادي، يمثلان الدينين العالميين حيث ثبتت لها تاريخيا صفة العالمية وما لقيته رسالتيهما من قبول لدى أوساط ذات خلفيات عرقية ولغوية واجتماعية متنوعة على مدى فترة طويلة وعلى نطاق واسع. بالإضافة إلى ذلك، يعد الإسلام والنصرانية الحضارتين الوحيدتين اللتين تفاعلتا بهذا القدر من الكثافة. وعلى ضوء ما سبق، وبالرغم من هذه الأسباب المقنعة من التشابه والتكامل، يبدو أن أوروبا ظلت في صراع مع الإسلام منذ أمد بعيد. وأعتقد أن التنوع الثقافي والديني يجب ألا يعتبرا سببا للمواجهة. بل يجب أن ينظر إليها على أنهما مصدرا للقوة. لقد درجت دوما على المنادة بضرورة الحفاظ على التنوع والإقرار به في إطار التفاعل النشط بين ثقافتين بغية الوصول إلى توافق بشأن مجموعة القيم اللازمة لدعم مجتمع عالمي في المستقبل. إنه لمن المؤسف حقا أن يواصل البعض في أوروبا اعتبار الإسلام تهديدا وأن يعتقدوا عدم إمكان سد الفجوة بين "العالم الإسلامي" و"الغرب". إننا في منظمة المؤتمر الإسلامي نعتقد اعتقادا راسخاً أن أية دراسة منصفة لتعاليم الإسلام، ستخلص حتما إلى القول بأن الإسلام لم يمثل قط مواجهة للقيم والمعتقدات الغربية القائمة على أساس التقاليد اليهودية-النصرانية والمتأصلة في المعارف الإغريقية-الرومانية. وفي الواقع إن مجرد العلم بأن الإسلام يقوم على القيم الإبراهيمية، شأنه في ذلك شأن التقاليد اليهودية النصرانية، وبإعجاب الثقافة الإسلامية الكبير بالثقافة والمعارف الإغريقية الرومانية واستيعابها في كثير من الدراسات الإسلامية، يجعل من حضور الإسلام شريكا حقيقيا في العطاء الأوروبي ونشر القيم والمعارف المشتركة. فهل تجعل هذه الشراكة من المسلمين مسهمين حقيقيين في رفاهة الأوربيين ومساعدتهم على التحرر من نير العصور المظلمة أم أن المسلمين لم يكونوا سوى دخلاء ضارين؟ إضافة إلى ذلك، يُنظر إلى المسلمين في أوروبا عادة، ويعاملون، على أنهم مهاجرين غرباء. ولكن الحقيقة الثابتة هي أن عددا كبيرا من المسلمين في أوروبا يعتبرون من السكان الأصليين. فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار سكان بعض الدول الأوروبية ذات السيادة في شرق أوروبا مثل ألبانيا والبوسنة وروسيا الاتحادية وأضفنا إليهم المسلمين الذين يعيشون في كوسوفو والقوقاز والذين يعيشون على هامش الحدود بين أوروبا وآسيا، فإن عدد المسلمين سيرتفع كثيرا. كيف يصنف هؤلاء المسلمون؟ دخلاء أم مواطنين أصليين في أوروبا؟ لقد تبنى عدد كبير من المسلمين الذين يعيشون في أوروبا بالفعل قيما وطريقة حياة أوروبية وكانوا قريبين من تعاليم الإسلام الصحيحة. حيث تفوقوا في مساهمتهم في مجتمعاتهم وأضحوا رصيدا غنيا في مجال الاقتصاد والأعمال والبحث العلمي والتعليم والثقافة والدراسات الاجتماعية وحتى في مجال الرياضة. فكيف نصف أولئك المواطنين المسلمين الرياديين في أوروبا؟ دخلاء هم أم مساهمين إيجابيين. في الوقت الذي تزداد فيه عدم الثقة والخوف والريبة في العالم الغربي تجاه الإسلام، يحق للمرء أن يسعى لفهم السبب الحقيقي وراء هذا الرعب الضارب بجذوره في عمق نفسيات كثير من الأوروبيين. إني اعتقد جازما أن ما ساد في الماضي من تعصب ما زال كامنا في مجال اللاوعي لدى الكثيرين في أوروبا، وما زال يحول بينهم وبين محاولة فهم الإسلام وتقديره. وسيتعذر تجاوز هذا التردد وهذه العارض ذلك أنه يشكل حاجزا نفسيا حقيقياً نُصِب بين الغرب ومعرفة الإسلام. وما دمنا لا نتخلى عن الاعتقاد بأن عدونا المشترك ليس هو اختلاف ثقافتنا بل هو الجهل، سيكون من الصعوبة الشديدة بمكان أن نوفق بين مواقفنا أن نحرر أنفسنا وعقولنا مما كان سائدا من تعصب وسوء فهم. وفي معزل عما ذكر آنفا من انشغالات، وهي محل قلق كبير لنا جميعا، نجد أنه من الواضح أن المهاجر ينزع، في ظل مواجهة حقائق الهجرة المؤلمة والتغريب أو التمييز أو تقتير الأجور أو البطالة، ينزع المهاجر إلى التصرف تحت تأثير الشد الذهني والإحباط. فقد ظلت التقارير الأوروبية بشأن التعصب والتمييز ضد المسلمين في بلدان الاتحاد الأوربي، تؤكد دوما " أن تجارب التمييز والإقصاء يمكن أن تفضي إلى اتخاذ المسلمين وأعضاء أقليات أخرى، سلوك يبرز فصلهم عن أغلبية السكان". و"تقر" هذه التقارير " بأن الاندماج هو عملية تسير في اتجاهين تشترك فيها المجتمعات من الجانبين كليهما". وأعربت التقارير عن القلق من أجواء تزايد انعدام الثقة في المسلمين والذي بدأ من 11 سبتمبر 2001، يهدد بتقويض الجهود التي تنشد تعزيز الاندماج وتفاقم تعرض المهاجرين لانتهاكات حقوق الإنسان والتهميش. بالرغم كل ذلك، وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 وتصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا، بدأ كثير من الغربيين يرون أنفسهم في تصادم مع المسلمين في أوروبا، وقد بدأ كثير من الغربيين، في خضم حملة نمطية للإسلاموفوبيا، بالنظر إلى المسلمين على أنهم "عدو داخلي" بينما تزداد أعداد المسلمين وأقليات أخرى، ممن تشعر بأنها تعيش في عالم مواز داخل أوروبا. فالعنصرية والكراهية الدينية ما انفكت تنفث الضغينة وتذكيها على صفحات الصحف والمجلات والأفلام والروايات والرسوم الكركتورية وما إلى ذلك. صحيح أنه قد ثبتت صعوبة ذوبان المسلمين في المجتمعات الأوروبية، ولكن من الواضح أنهم يبدون استعدادا للمشاركة في هذه المجتمعات. فالهوية الإسلامية التي يحملونها ضاربة بجذورها في سرائرهم ووجدانهم مما يجعل اجتثاثها مهمة شاقة ومضنية. وحاليا، تعد المشاركة بالقدر الذي يتيح الحفاظ على الهوية هدفا لسي ببعيد المنال. ففي ظل الصفة العالمية للمجتمع، غدا تعدد الأعراق حقيقة لا مناص منها. فحضور المهاجرين في أوروبا يلبي ضرورة اجتماعية واقتصادية واقعة، وأعدادهم لا بد أن تزيد في المستقبل القريب نظرا لنقص الأيدي العاملة واعتبارات اجتماعية وظاهرة شيخوخة سكان أوروبا. لماذا تخالج العالم الغربي هذه الهواجس والرهبة من الإسلام بهذه الدرجة؟ إن الجهل هو السبب الجذري للكراهية. وقطاع كبير من الإعلام الغربي لا يفتأ يتربص لربط الدين الإسلامي جملة وتفصيلا بجنون قلة من الأفراد الذين نفذوا تلك العملية الرهيبة في الحادي عشر من الشهر التاسع. وقد اختارت الغالبية تجنب، أو حتى تجاهل، الرد الغاضب للعالم الإسلامي إزاء هذا العمل المروع الذي رفضه المسلمون وأدانوه في أنحاء العالم. بل ساهمت هذه الهواجس من جانب أجهزة الإعلام الغربية في توسيع الهوة بين الإسلام والغرب وإذكاء التعصب والريبة. واسمحوا لي أن أذكر هنا حادثة خطيرة وقعت مؤخرا تبين تجاهل الإعلام الغربي للقيم الإسلامية. وأشير هنا إلى رد الفعل الغاضب من المسلمين تجاه نشر صحيفة دنمركية لرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. إن المسلم لا يكن معزة تفوق معزته واحترامه تقديره حبه المطلق للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ذلك النبي الذي جاء برسالة السلام للناس. إن السخرية من شخص يقدسه خمس سكان العالم لا يمكن أن تكون محل تهاون أو تسامح أيا كانت الذريعة. وما من شك في أن نشر تلك الرسوم كان عملا استفزازيا متعمدا للإساءة للمسلمين وإلهاب مشاعرهم. إنه مما يدعو للأسف، ولكنه أمر واقع، أن ثمة استياء ينمو في أوساط المسلمين في أوروبا ناجم عن الشعور بالتمييز والحرمان والتعصب الديني. ويمكن معالجة ذلك بسهولة بإشراكهم مع التيار الغالب، والسماح لهم بالحصول على فرص متساوية كتلك التي يتمتع بها بقية أعضاء المجتمع. كما سيساهم تمثيلهم على مستوى رسم السياسات في المجتمع في موائمة مكونات المجتمع وإعادة إحلال السلام الاجتماعي والاستقرار وتشكيل نكسة كبيرة لمؤيدي التطرف. وقد درجت دوما، بهذه الروح، على حض قادة أوروبا على الموافقة على " المصالحة التاريخية" التي سوف تقرب الإسلام والنصرانية وتقصي أي إشارات للاحتكاك في علاقتهما المشتركة. وقد رأينا ذلك يقع قبل عقود قليلة بين النصرانية واليهودية. وفي عصر العولمة هذا، ستكون المصالحة التاريخية حدثا له صدى تاريخي يجمع أكثر من نصف الإنسانية ويمهد الطريق أمام عالم يتسم بقدر أكبر من السلامة والازدهار لذريتنا وأطفالنا. وفي مجال العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب، مازالت قضية فلسطين تمثل نقطة خلاف، أو بالأحرى عقبة أساسية في طريق تنقية أجواء هذه العلاقة من الاتهام بالكيل بمكيالين والإجحاف وعدم التقدير. وفي هذا السياق، أود أن أذكر بأنه ليس كل أفراد شعب فلسطين من المسلمين. فما زالت في الأرض المقدسة جذور نصرانية تاريخية قوية يحال بينهم وبين حقوقهم ويعانون من من مصاعب تفوق الوصف على أيدي المحتل. ويبدو أن محنتهم لا وجود لها في أجندة الغرب. ومعاناة الشعب الفلسطيني غنية عن التعريف. و يجب تحقيق الحل السياسي عاجلا وليس آجلا ويجب أن تتاح للفلسطينيين حقوقهم المنصفة والمشروعة: دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على ترابهم الوطني وانسحاب قوات الاحتلال فوراً من الأراضي العربية المحتلة. منظمة المؤتمر الإسلامي هي منظمة حكومية دولية تجمع سبعة وخمسين دولة ولكثير من البلدان التي تعيشها فيه مجتمعات مسلمة، صفة المراقب التي تعيش فيها مجتمعات مسلمة من بينها روسيا التي كانت آخرها انضماماً للمنظمة بهذه الصفة. وقد أنشئت المنظمة للدفاع عن مصالح العالم الإسلامي والتعاون مع الحكومات والمنظمات الدولية من أجل تحقيق السلام والتنمية والاستقرار ومحاربة الإرهاب. وإذا أتيحت الفرصة للمنظمة، يمكنها أن تنهض بدور بناء جداً في بناء وئام وتعايش سلمي بين شعوب تنتمي إلى حضارات مختلفة وتحطيم أسطورة ما يسمى صراع الحضارات. وقد أكدنا هذا الموقف في لقاء رؤساء الدول والحكومات في مكة في القمة الإسلامية الاستثنائية الأخيرة. وفور تولي مهامي أميناً عاماً للمنظمة في 2005 جعلت ذلك هدفاً ذا أولوية وأدرجته في برنامج العمل العشري. والهدف الذي رسمناه في هذا البرنامج هو عرض الإسلامي بصفته دين وسطية وتسامح، والاشتراك في حوار بين الحضارات على أساس تبادل الاحترام والتفاهم. وأود أن أذكر في هذا السياق، بأن الفرصة قد أُتيحت لي لمخاطبة الجمعية البرلمانية لمجلس أُوروبا في ستراسبورغ في 4 أكتوبر 2005م، حيث قدمت مجموعة من الاقتراحات لبناء ميثاق مصالحة دولي وشملت هذه التوصيات: - تقديم إقرار رسمي بالإسلام على نحو ما يقدم للأديان الأساسية في الدول الأُوروبية مما من شأنه أن يبث الثقة والوئام بين اتباع هذه الأديان. - مراجعة المقررات التعليمية على جميع المستويات في كل من الجانبين، خاصة في العلوم الأساسية مثل التاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعية والإنسانية بغية تقديم عرض متوازن للثقافات والحضارات الأخرى. - إقامة حوار حقيقي بين الثقافات على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والدولية. - تعزيز التسامح وتشجيع الحوار داخل الأوساط الفكرية والإعلامية حول مسؤولية كل منها في تجنب إدامة التعصب. - تنظيم حملات لتعزيز ونشر احترام الثقافة والتعددية الدينية والتنوع الثقافي. - تأمين حرية الممارسات الدينية دون المساس بالقوانين العلمانية. - معالجة الأسباب الجذرية للإرهاب ومنها الصراعات السياسية. - بذل جهد لتوليد حسٍ إيجابي بالانتماء والمواطنة المسؤولة في أواصف الشباب الإسلامي ومنحهم مزيداً من الحوافز للمشاركة في النشطات الأساسية في الحياة العامة. - المقاضاة وفرض العقوبة على أعمال التمييز العنصري وأعمال العنف من خلال إطار للتشريع الملائم. - تعزيز التشريعات الحالية الخاصة بالتمييز والمعاملة التمييزية غير المتساوية التي اعتمدت من خلال توجيهات مجلس الاتحاد الأُوروبي. إذا نظرنا إلى التفاعل بين الحضارتين الأوروبية والحضارة الإسلامية في الماضي والحاضر، يمكن أن نخلص بسهولة إلى أن الإسلام قد ظل يمثل جزءاً لا يتجزأ من حضارة القارة الأُوروبية، وأن مساهمته كانت بناءة بدرجة كبيرة حيث عززت التنوع والمجتمع التعددي الذي تعرف به أُوروبا اليوم. ولسنا بحاجة لإقامة البراهين مرة أخرى على المساهمة التاريخية للمسلمين في أسبانيا وصقلية في صياغة الثقافة والفكر الأُوروبيين، وقد تمكنت المجتمعات الأُوروبية المسلمة من تٌركٍ وتتر وبوسنيين وألبان وأخرون من صون هويتهم الإسلامية، والمشاركة في النسيج الأُوروبي الثري، وقد أنتقل مزيد من المجتمعات المسلمة مثل الآسيويون الجنوبيون في المملكة المتحدة والإفريقيون الشماليون في فرنسا والترك في ألمانيا من وضع المهاجرين إلى مهنيين من الطبقة الوسطى في الأعمال والمجالات الاقتصادية أو السياسية أو التعليمية أو الثقافية. إن إرث المسلمين في أُوروبا أكبر بكثير مما يمكن أن يُعتقد. وسوف يساهم نهج إيجابي ومتسامح من الطرفين كليهما في تبديد أية انشغالات أو شكوك ويصنع علاقة تتسم بقدر أكبر من الصحة والتوازن. ويعتقد المسلمون في أنحاء العالم، اعتقاداً عميقاً في هذا المنعطف التاريخي، أن لهم مصلحة استراتيجية واضحة وهامة في التعايش السلمي والتعاون مع الغرب والاستفادة مما حققه من إنجازات وتقدم. ويجب أن يسدل الستار أمام الحلقات الأخيرة القصيرة من الصراعات وسوء التفاهم، لفسح المجال أمام مستقبل طويل من التعايش من خلال الاستفادة من الموقع الجغرافي وحضارتنا وقيمنا المشتركة لبناء مستقبل أفضل للبشر. ويحذوني أمل كبير أن تكون استجابة أُوروبا للأيدي التي يمدها العالم الإسلامي إيجابية وتفضي إلى بناء مشترك لعالم أفضل لأنفسنا ولأجيالنا القادمة. وشكراً.

بيانات أخرى

No press releases assigned to this case yet.

مؤتمر بالفيديو لبحث آثار جائحة كورونا على جامعات منظمة التعاون الإسلامي


صندوق التضامن الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي يسلم الدفعة الأولى من الدول الأعضاء الأقل نموا منحة مالية عاجلة لمواجهة تداعيات كورونا


العثيمين: وكالات الأنباء في دول "التعاون الإسلامي" تدحض الأخبار الزائفة في جائحة كورونا


مواصلة لجهود المنظمة في مواجهة جائحة كورونا المستجد صندوق التضامن الإسلامي يشرع في إجراءات تقديم منحة مالية عاجلة للدول الأعضاء الأقل نموا


البيان الختامي للاجتماع الطارئ الافتراضي للجنة التنفيذية لمنظمة التعاون الإسلامي المعقود على مستوى وزراء الخارجية حول الآثار المترتبة عن جائحة مرض كورونا المستجد (كوفيد-19) والاستجابة المشتركة لها


وزراء خارجية اللجنة التنفيذية: تعزيز الإجراءات الوطنية لدول "التعاون الإسلامي" للتخفيف من وطأة تداعيات وباء كورونا المستجد


مجمع الفقه التابع لمنظمة التعاون الإسلامي يصدر توصيات ندوة "فيروس كورونا المستجد وما يتعلق به من معالجات طبية وأحكام شرعية"


منظمة التعاون الإسلامي ترفض استهداف المسلمين من طرف بعض الأوساط في الهند في ظل ازمة جائحة كورونا


العثيمين يدعو إلى اللجوء لأحكام فقه النوازل وحفظ النفس في محاربة وباء كورونا المستجد


العثيمين يخاطب ندوة مجمع الفقه الإسلامي الدولي حول الأحكام المتعلقة بانتشار جائحة كورونا


البيان الصادر عن الاجتماع الطارئ للجنة التوجيهية لمنظمة التعاون الإسلامي المعنية بالصحة بشأن جائحة كورونا


العثيمين يدعو الاجتماع الافتراضي بشأن كورونا المستجد للعمل الجماعي في مواجهة الجائحة


كتاب اليوبيل الذهبي لمنظمة التعاون الإسلامي

المؤتمر الدولي للعلماء المسلمين حول السلم والأمن في أفغانستان