التاريخ: 03/01/2009
جدة: 6 محرم 1430هـ ( 3 يناير 2009م) بسم الله الرحمن الرحيم أصحاب المعالي الوزراء وأصحاب السعادة السفراء، نجتمع اليوم في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والذي استباح كل المحرمات وبلغ مستويات شديدة الخطورة أودت بحياة مئات الأبرياء من المدنيين ومن ضمنهم أطفال ونساء وشيوخ، وخلَّف آلاف الجرحى، وتدميراً هائلاً في المرافق المدنية والبنى التحتية، وأدّى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية جرّاء كثافة الاعتداءات وصعوبة وصول مواد الإغاثة. إنني أكاد لا أجد ما أصف به هذه المأساة متواصلة الفصول في قطاع غزة. إنها، بدون أدنى شك، انتهاك لكل القيم الإنسانية، واعتداء صارخ على حياة الإنسان وحقه في الحياة الذي كفلته الشرائع كافة. ما كان لنا أن نبقى مكتوفي الأيدي إزاء هذه الفظائع التي لا سابقة لها في العصر الحديث، لذلك تنادينا لنجتَمع في هذا اليوم لنقرر ما ينبغي علينا عمله بشكل ملموس للتعامل مع هذا العدوان الغاشم. فهذه المأساة تستوجب تحركاً إسلامياً سريعاً، جاداً، وفاعلاً لوقفها وانقاذ الشعب الفلسطيني من آثارها. فلا يجب أن ندّخر جهداً لوقف نزيف دماء شعب فلسطين الأعزل الذي اغتصبت حقوقه وشرّد في أصقاع الدنيا، وعزل وحرم من حريته وحقوقه الأساسية. إن الزعامات السياسية في فلسطين وفي العالم الإسلامي على حد سواء أمامها مسؤولية تاريخية في هذه اللحظة الدقيقة من حاضرنا. فشعوب العالم الإسلامي تنتظر منا جميعاً مواقف واضحة تعبّر عن إرادة الأمة الإسلامية وتضامنها مع شعب فلسطين في هذه المحنة، وعملاً يتجاوز الكلمات إلى الفعل الحقيقي الذي يرتقي إلى ما تتطلبه المرحلة من حكمة وجدية. إن العالم الإسلامي يتوقع من زعمائه ومن كل من يحمل المسؤولية السياسة أن يقدموا أقصى ما لديهم لإنهاء المحنة التي تتعرض لها فلسطين منذ ستين عاماً وتفاقمت حتى وصلت إلى أقصى درجات التدني بما آلت إليه الأمور مؤخراً في قطاع غزة. إنني أقول بكل أسى إن العالم الإسلامي يعيش مفارقة عجيبة. فهو يمتلك من القدرات الهائلة ما يجعله قادراً على الفعل والدفاع عن مصالحه. فلديه من القدرات الاقتصادية، والأهمية الإستراتيجية التي يتمتع بها تزداد يوماً بعد يوم ما يؤهله للعب دور يليق بحجم هذه الأمة العظيمة. ولكن ما يفطر الفؤاد هو أن القدرات المادية والأهمية التي يتمتع بها عالمنا الإسلامي لم تترجم فعلاً وواقعاً. ومع ذلك، لدي وطيد الثقة بأن الأمة الإسلامية التي استطاعت في أحلك فترات تاريخها أن تخرج بحلول لتجاوز أصعب الأزمات، يمكن لها أن تنهض مجدداً من كبوتها وأن تخرج من محنتها الحالية معززة ومرفوعة الرأس. أصحاب المعالي والسعادة، منذ الساعات الأولى لبدء العدوان على غزة، قامت المنظمة بإدانة جرائم إسرائيل ووجهت نداءاً للمجتمع الدولي ومؤسساته للتدخل الفوري والعاجل لوقفها وحماية الشعب الفلسطيني من فظائعها. وقمت بالتشاور مع عدد من القادة والمسؤولين في الدول الأعضاء من أجل تنسيق تحرك إسلامي لحماية شعب فلسطين من بطش هذا الاعتداء ولتأمين احتياجاته العاجلة، وقمت كذلك بتوجيه المندوب الدائم للمنظمة في جنيف لإجراء المشاورات اللازمة مع المجموعة الإسلامية وبحث إمكانية عقد جلسة عاجلة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لاتخاذ القرارات والتدابير لوقف العدوان وتأمين الحماية للشعب الفلسطيني من الاعتداءات الإسرائيلية. كما أود أن أحيطكم علما بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد طلبت عقد اجتماع طاريء على مستوى القمة، وإن تعذر ذلك فعلى مستوى المجلس الوزاري. إننا في هذه اللحظات الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية نهيب بجميع الأطراف المعنية، داخل فلسطين وخارجها، أن تترك الحسابات السياسية جانباً، للعمل على وقف نزيف الدمّ، وتمكين أهالي قطاع غزة من الحفاظ على القليل الذي تبقى لهم من إمكانيات العيش الضنك، لذلك، فإننا ندعو، وبكل قوة، إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإلى السماح للإمدادات الطبية والإنسانية بالدخول إلى قطاع غزة من المعابر كافة. كما أننا نذكّر دُولنا بأنه قد سبق وأن اتخذت لجنتكم التنفيذية هذه في اجتماعها الاستثنائي الموسع بمقر الأمانة العامة للمنظمة بجدة (27 شوال 1427هـ الموافق 18/11/2006م) قراراً يدعو الدول إلى كسر الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني والتحرك لدى المجتمع الدولي لإنهاء الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني. كما أنها عقدت اجتماعاً استثنائياً موسعاً على مستوى وزراء الخارجية المنعقد بجدة في 25 محرم 1429هـ (3 فبراير 2008) اتخذت فيه قراراً يرحّب بالمبادرة التي أطلقها الأمين العام للمنظمة من أحل حشد الدعم اللازم لتوفير الاحتياجات الإنسانية الضرورية لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. إن هذه اللحظة، هي اللحظة، التي يجب علينا جميعاً أن ننفذ فيها هذه القرارات، بالإضافة إلى ما يحتاجه الوضع الراهن من قرارات وتدابير جديدة لوقف هذه المأساة الإنسانية غير المسبوقة. ويأتي اجتماعنا اليوم عقب الاجتماع الذي عقد قبل يومين على مستوى السفراء حيث تم طرح العديد من التدابير والخطوات التي يمكن اتخاذها على مختلف المستويات من أجل وقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني. وقد شملت الاقتراحات، وكما يعكسها مشروع البيان الختامي، جملة من الإجراءات للتحرك على مختلف المستويات. ولعل التحرك على مستوى الأمم المتحدة ومؤسساتها ولدى الأطراف الدولية هو من الخيارات المهمة التي على الأمة أن تطرقها لكي تضع حداً لهذه المأساة غير المسبوقة. وفي هذا الإطار فإنني أدعو دول منظمتنا الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (تركيا، والجماهيرية الليبية، وأوغندا وبوركينا فاسو) إلى بذل كل جهد مخلص من أجل أن يتخذ مجلس الأمن قراراً عاجلاً وملزماً لإنهاء العدوان الإسرائيلي ووقف فوري وشامل لإطلاق النار. وفي حال فشل مجلس الأمن في النهوض بمسؤولياته، فإننا ندعو جميع الدول الأعضاء في منظمتنا أن تتحد دعماً للدعوة لعقد اجتماع للجمعية العامة في إطار "الاتحاد من أجل السلام"، وذلك بالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة. وأغتنم هذه المناسبة لدعوة الإدارة الأمريكية، وبخاصة الرئيس المنتخب السيد باراك أوباما، إلى إيلاء الأهمية البالغة للانعكاسات المحتملة للهجمات الإسرائيلية الجارية حالياً على مستقبل الجهود الرامية إلى إيجاد سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وكذلك على جهود الإدارة الأمريكية الجديدة لتحسين صورة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي. كما أنني أمام حجم المأساة الإنسانية التي يكابدها المدنيون الفلسطينيون في قطاع غزة والتي وصلت إلى حد الكارثة، أدعو هذا الاجتماع إلى القيام بعمل إنساني عاجل ومتكامل تحت مظلة منظمة المؤتمر الإسلامي حتى نستطيع أن نوفر لضحايا العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة ما يحتاجونه من إغاثة إنسانية عاجلة في المجالات كافة وذلك أضعف الإيمان. إنه من نافلة القول أن الوحدة الوطنية الفلسطينية تشكل حصناً منيعاً أمام المتربصين بالشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. لذا لا بد أن يكون لمِّ الشمل الفلسطيني على رأس أولويات القوى الفلسطينية كافة. وينبغي للجميع العمل على إنهاء حالة التشرذم وتفرّق الكلمة التي تبيح للأعداء النفاذ إلى أغراضهم، وتسمح لهم باستغلال هذه الخلافات لتحقيق أهدافهم ومآربهم. ومن هنا أدعو باسمكم جميعاً القوى والفصائل الفلسطينية على مختلف توجهاتها أن تتسامى على كل الاعتبارات الضيقة وأن تسارع إلى بدء حوار وطني جدّي ينهي حالة الانقسام ويحقّق الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تصون المنجزات الوطنية وتمكّن الشعب الفلسطيني من المضيّ بثبات نحو تحقيق أهدافه الوطنية. وحيث أننا بادرنا في ديسمبر 2006 للقيام بجهود حثيثة لرأب الصدع الفلسطيني، فإنني أعلن مرة أخرى الاستعداد التام للقيام بكل ما يمكن القيام به من أجل عودة اللحمة للصف الفلسطيني. معالي الوزراء المندوبون الموقرون، يمر الصومال، وهو مثل فلسطين دولة مؤسسة بمنظمتنا، بمفترق طرق خطير ويحتاج لدعم متواصل من المنظمة. فالوضع السياسي والإنساني خطير وحرج. وتتعرض عملية جيبوتي السلمية التي ما زالت تمثلُ العملية السياسية الوحيدة الجارية ذات المصداقية في الصومال، والتي كانت منظمة المؤتمر الإسلامي واحدة من أبرز الجهات الدولية التي شاركت فيها، لتهديد خطير. إن استثمارنا الكبير في العملية التي أفضت إلى اتفاق سلام بين الحكومة الاتحادية الانتقالية وتحالف المعارضة الذي يمثله التحالف من أجل إعادة تحرير الصومال بقيادة الشيخ شريف، يجب أن لا يسمح له أن يذهب سُدى ويحتاج إلى دعم كامل من جميع الدول الأعضاء. حيث أقنعت سلسلة الحوارات التي قامت بها المنظمة مع كل من الحكومة الانتقالية والشيخ شريف وزعماء المعارضة الآخرين في ختام الأمر بالجلوس إلى طاولة المفاوضات بصفة شركاء في السلام. كما وجهتُ عدداً من النداءات إلى الحكومة لتنهي انقساماتها الداخلية والعداوة بين الرئيس السابق ورئيس الوزراء التي أفضت إلى صعوبات كبيرة واجهت الحكومة وانحراف غير ضروري عن التنفيذ الكامل لاتفاق جيبوتي، وهو وضع استغلته للأسف مجموعة الشباب التي يقال إنها تسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد، حيث نقلت التقارير أنها على مشارف مقديشو، ويمكنها الاستيلاء على العاصمة عند الانسحاب النهائي للإثيوبيين الذين رفضوا تلبية نداءات الاتحاد الأفريقي بتأخير مغادرتهم وتجنب إحداث فراغ أمني. لذلك أود أن أؤكدَ مجدداً ندائي الخالص لجميع الدول الأعضاء للمساهمة على نحو عاجل بقوات ومواد لوجستية وتمويل وبأي شكلً من أشكال الدعم لتعزيز القوات التابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، ونشر قوات أمن مشتركة بين الحكومة والتحالف من أجل إعادة تحرير الصومال للمحافظة على عملية جيبوتي السلمية التي تلقى دعماً دولياً. كما أود أن أحث الدول الأعضاء على تقديم مساعدات إنسانية عاجلة ومكثفة للمحتاجين في الصومال ومد الأمانة العامة بالموارد المالية بما يمكنها من فتح مكتب منظمة المؤتمر الإسلامي في مقديشو ليكون رمزاً لالتزامنا الراسخ للصومال. وفي الختام، أتمنى لاجتماعكم التوفيق في بلوغ غاياته النبيلة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،