التاريخ: 28/04/2009
كلمة معالي البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلى الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أمام المؤتمر الدولي حول الاقتصاد الإسلامي واقتصادات الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي كوالالمبور – ماليزيا 28 – 29 إبريل 2009م البروفيسور الدكتور داتو سيد عربي عديد رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا البروفيسور منصور إبراهيم ديان كلية العلوم الاقتصادية والإدارية الدكتور إلياس مات دريوس رئيس إدارة الاقتصاد، كلية العلوم الاقتصادية والإدارية المشاركون الموقورن السيدات والسادة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بداية أود أن أهنئ الجهة المنظمة لهذا المؤتمر وأشيد بها وهي الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا لعقد هذا الاجتماع الهام. ويطيب لي أن ألاحظ أن هذا الاجتماع يعقد بالتزامن مع الذكرى الأربعين لإنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي والذكرى الخامسة والعشرين لإنشاء الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، كما يتزامن مع الذكرى الخامسة والعشرين للجنة الدائمة لمنظمة المؤتمر الإسلامي للتعاون الاقتصادي والتجاري التي تمثل معلما بارزا في جهود المنظمة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين دولها الأعضاء. كما ينعقد هذا المؤتمر في أجواء أزمة عالمية حادة اندلعت في الولايات المتحدة في صيف 2007م بسبب أزمة الرهون العقارية وانتقلت بسرعة إلى أوروبا كما بدأت في إلقاء آثارها السلبية على البلدان الناشئة والنامية. ويقارن بعض الاقتصاديين والمؤسسات ومنها صندوق النقد الدولي، هذه الأزمة بالانكماش الكبير الذي وقع سنة 1929. وكل هذه الحقائق توضح أهمية هذا الاجتماع وتزيد التوقعات الخاصة بمحصلة هذا المؤتمر. وفي هذا السياق، فإني على ثقة، من أن هذا المؤتمر سوف يقدم إسهامات أساسية لجهودنا الرامية لتأمين نمونا الاقتصادي وازدهارنا في البلدان المسلمة. المشاركون الموقرون إن عنوان كلمتي هو "تعزيز التعاون التجاري بين البلدان المسلمة-دور منظمة المؤتمر الإسلامي" ويعد تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء في المنظمة أحد أهم أولويات منظمتنا وقبل أن أتحدث عن جهود منظمة المؤتمر الإسلامي لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دولها الأعضاء، أود أن أتحدث عن عملية الإصلاح في المنظمة. إن منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تتألف عضويتها من 57 دولة، هي ثاني أكبر منظمة حكومية بعد الأمم المتحدة. وكانت القمة الإسلامية الاستثنائية الثالثة التي عقدت في مكة المكرمة، المملكة العربية السعودية،يومي 7-8 ديسمبر 2005، اعتمدت برنامج العمل العشري للتصدي للتحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين. وكلفت الوثيقة الأمين العام بإحداث إصلاحات كبيرة داخل المنظمة من أجل تحويلها إلى كيان قوي قادر على رفع صوت العالم الإسلامي دوليا. ومنذ مؤتمر مكة المكرمة، كان أحد أهم الإنجازات في إصلاح المنظمة هو اعتماد قمة منظمة المؤتمر الإسلامي الحادية عشرة التي عقدت في مارس 2008 في داكار، بالسنغال الميثاق الجديد والذي، من بين أمور أخرى، يهدف إلى جعل منظمة المؤتمر الإسلامي أكثر فعالية على مستوى تنفيذ القرارات، خاصة تلك التي تتصل بالمشاكل التي يواجهها العالم الإسلامي. كما نوعنا نشاطات الأمانة العامة وأدخلنا مناهج ابتكاريه لتحسين سير عملنا. ونتيجة لذلك، شهد أداء المنظمة تقدما في معالجة انشغالات الدول الأعضاء وفي الخدمات التي تقدم لها. كما شرعنا في العمل من أجل إنشاء هيئة مستقلة دائمة لحقوق الإنسان كما جاء في برنامج العمل العشري والميثاق الجديد لتلبية الحاجة التي طال أمدها. كذلك، أضحت منظمة المؤتمر الإسلامي جهة نشطة لا غنى عنها على المستوى الدولي في كثير من المجالات، خاصة في ما يتعلق بالحوار بين الحضارات والدفاع عن صورة الإسلام ومكافحة الإسلاموفوبيا. كما ظلت المنظمة نشطة في معالجة قضايا سياسية تتصدر جدول أعمالها مثل فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان وجامو وكشمير ودارفور وقبرص وناغورنو كارباخ والصومال وكوت ديفوار. كما شاركت في مفاوضات مع البلاد المضيفة لمجتمعات مسلمة مثل الفلبين وتايلاند في محاولة لتخفيف معاناة هذه المجتمعات ولكفالة احترام حقوقها الإنسانية الأساسية. كما أُرسلت بعثات لتقصي الحقائق إلى العراق والصومال. وعين الأمين العام للمنظمة ممثلين خاصين للصومال وجامو وكشمير والمجتمعات المسلمة في جنوب الفلبين وجنوب تايلاند. واتخذت خطوات لتقديم مساعدات إنسانية للبنان وفلسطين وبلاد أخرى ولتنظيم مؤتمر منظمة المؤتمر الإسلامي الأول للمانحين لإنشاء مرافق احتياطي تخزين استراتيجي للغذاء في النيجر. وفي مواجهة تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب، أدرجت منظمة المؤتمر الإسلامي هذا الموضوع على صدر أولوياتها وانشغالاتها من خلال القيام بجهد عالمي واسع النطاق لمواجهتها. وتمكنا من تحقيق تقدم مقنع على جميع المستويات خاصة على مستوى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف والجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وسوف تتيح الإصلاحات المذكورة للدول الأعضاء المشاركة والتنسيق بقدر أكبر من الفعالية في جميع المحافل الإقليمية مثل آسيان والإتحاد الأفريقي ومجلس التعاون الخليجي، والدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية. كما سوف يتيح تحديد واجبات والتزامات البلدان الأعضاء تفعيل قدرات منظمة المؤتمر الإسلامي بغية التصدي بفعالية لتحديات القرن الحادي والعشرين والإسهام جماعيا في تنمية الأمة الإسلامية وازدهارها وإني على ثقة من أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى إشاعة قدر أكبر من الاستقرار والسلم في العالم. وتبين هذه الحقائق الدور الهام والحاجة الماسة لمنظمة المؤتمر الإسلامي باعتبارها الممثل الوحيد للأمة الإسلامية. كما تشكل، المنظمة، من الناحية الاستراتيجية، منطقة تجارية شاسعة وكيانا اقتصاديا كبيرا يتيح تنوعا في الثروات وفي أشكال التكامل المختلفة، كما يتيح للبلدان الأعضاء الاستفادة من اقتصادات الوفورات والتي سوف تسهم بدورها في زيادة قدرتها الإنتاجية والتنافسية وهو شرط أساسي في الاقتصاد العالمي الحالي الذي يتسم بقدر كبير من التعقيد. أيها السيدات والسادة، بدأت منظمة المؤتمر الإسلامي، التي أُسست في سبتمبر 1969م، في شكل منتدى سياسي. إلا أنها ما لبثت أن أدركت أن العمل السياسي المشترك الفعال يجب أن يقوم على أساس العمل الاقتصادي المشترك ويتكامل معه. كذلك أكد ميثاق المنظمة ضرورة التعاون من أجل تحقيق التقدم الاقتصادي والحاجة لمساعدة الدول الأعضاء على تنمية قدراتها الإنتاجية. وهكذا أرسيت دعائم تحديد مجالات التعاون المحتملة بين الدول الأعضاء تمهيدا لتحقيق قدر أوثق من التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء. وفي الماضي، ظلت منظمة المؤتمر تبذل جهودا جادة لصياغة الإطار المؤسسي القانوني متعدد الأطراف اللازم الذي يمكن للدول الأعضاء من خلاله أن تتعاون عبر أعمال اقتصادية مشتركة وتنفيذها. ويمكن في ما يلي إيجاز أهم المنجزات التي حققتها منظمة المؤتمر الإسلامي لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دولها الأعضاء: في ديسمبر 1973 انعقد الاجتماع الأول لوزراء المالية للدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي وأصدروا إعلان نية لإنشاء البنك الإسلامي للتنمية تعزيزا للتنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي في الدول الأعضاء. وانطلاقا من هذه الوثيقة، اعتمد الاجتماع الثاني لوزراء المالية في الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي، في أغسطس 1974 اتفاقية تأسيس البنك الإسلامي للتنمية، التي دخلت حيز التنفيذ في أكتوبر 1975. في مايو 1976 أنشئت اللجنة الإسلامية للشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لتكون بمثابة لجنة خبراء للدول الأعضاء تبحث نشاطات التعاون الاقتصادي والثقافي والاجتماعي في إطار المنظمة وتقدم توصيات بشأنها للدورات العادية لمجلس وزراء الخارجية للبت بشأنها. في مايو 1977 اعتمدت الدورة الثامنة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية (مجلس وزراء الخارجية حاليا) إنشاء مركز البحوث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للبلدان الإسلامية في أنقرة، تركيا، من أجل جمع البيانات والمعلومات الإحصائية ونشرها، وإجراء بحوث وبرامج تدريب لمصلحة الدول الأعضاء. وفي مايو 1978 اعتمدت الدورة التاسعة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية إنشاء المركز الإسلامي للتدريب الفني والمهني والبحوث في دكا، بنغلاديش، الذي أصبح في 2001 الجامعة الإسلامية للتكنولوجيا والتي كان الهدف الأساسي من إنشائها المساعدة على تنمية الموارد البشرية في الدول الأعضاء في المنظمة في مجالات الهندسة والتكنولوجيا والتعليم الفني والمهني. وفي مايو 1979 اعتمدت الدورة العاشرة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية إنشاء الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة في كراتشي، باكستان، بصفة جهاز منتمي لمنظمة المؤتمر الإسلامي. والهدف الأساسي منها هو تعزيز وتوثيق التعاون في مجال التجارة وتكنولوجيا المعلومات والتأمين وإعادته والشحن والنظام المصرفي وتعزيز فرص الاستثمار والمشاريع المشتركة في الدول الأعضاء. وفي يناير 1981 قررت القمة الإسلامية الثالثة إنشاء اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري لمنظمة المؤتمر الإسلامي المعروف اختصارا بالكومسيك، والتي بدأت عملها في القمة الإسلامية الرابعة في 1984 بعد انتخاب رئيس الجمهورية التركية رئيسا لها. وتتمثل مهمة الكومسيك في وضع برامج العمل المشترك والتنسيق ومتابعة النشاطات المتصلة بالتعاون الاقتصادي في إطار المنظمة وتواصل الكومسيك، باعتبارها الجهاز المسؤول عن تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء، مهامها بفعالية من خلال إسهامات من جميع الدول الأعضاء ومؤسسات المنظمة والمنظمات الدولية المعنية. ويشار هنا إلى أننا نحتفل في هذه السنة بالذكرى الخامسة والعشرين للكومسيك. كذلك اعتمدت القمة الإسلامية الثالثة إنشاء المركز الإسلامي لتنمية التجارة في الدار البيضاء في المغرب بصفة جهاز متفرع عن المنظمة، والهدف الأساسي منه هو تعزيز التبادلات التجارية بين الدول الأعضاء في المنظمة من خلال تنظيم معارض تجارية ومعارض متخصصة ونشاطات تجارية أخرى. كما اعتمدت القمة الثالثة إنشاء منظمة الاتحاد الإسلامي لمالكي البواخر، واعتمدت نظامه الأساسي بصفة مؤسسة منتمية لمنظمة المؤتمر الإسلامي. والهدف الأساسي من هذا الاتحاد هو تنسيق جهود الأعضاء وتوحيدها من أجل تحقيق التعاون بين الشركات الملاحية في الدول الأعضاء لتحقيق اكبر قدر ممكن من الفائدة. كما أنشئت مؤسسات أخرى في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي من أجل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء. وسعيا لتحقيق ذلك، تنفذ هذه المؤسسات ، نشاطات وبرامج ومشاريع مختلفة. شرعت الكومسيك في إقامة ثلاثة برامج مالية متعددة الأطراف من أجل تعزيز التجارة البينية في إطار الدول الأعضاء في المنظمة. كان أولها برنامج تمويل التجارة الأطول أجلا المعروف ببرنامج تمويل الصادرات، والذي دخل حيز التنفيذ في 1987 في إطار البنك الإسلامي للتنمية. والهدف منه تعزيز الصادرات من السلع غير التقليدية من خلال توفير الأموال اللازمة. وكان ثانيها المؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات التي أنشئت بصفة عضو في مجموعة البنك الإسلامي للتنمية في 1994 وبدا عملها في 1996 بعد استيفاء الإجراءات اللازمة. والهدف منها توسيع نطاق المعاملات التجارية وتدفق الاستثمارات بين البلدان الأعضاء من خلال توفير التأمين وإعادته لائتمان الصادرات والاستثمار الخارجي. وكان ثالثها اتفاقية الاتحاد الإسلامي متعدد الأطراف للمقاصة، التي أعدها البنك الإسلامي للتنمية واعتمدتها، من حيث المبدأ الدورة الثامنة للكومسيك في 1992. وكان الهدف منها إنشاء نظام لتسهيل تسوية المعاملات النقدية بين أعضاء الاتحاد من خلال إتاحة الفرصة لهم للسداد بعملاتهم الوطنية خلال تجارتهم مع بلدان أعضاء أخرى. كما دعت الدورة العاشرة للكومسيك في 1994 أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي لبحث وضع ترتيبات مقاصة بينها يمكن أن تكون، من حيث المبدأ، مرنة على مستوى السلع التي تشملها وتقوم على أساس المشاركة الطوعية في العضوية. إلا أن هذه الترتيبات تعذر اتخاذها. ومنذ ذلك الوقت، بدا وكأن، هذه الاتفاقية قد اعتراها الجمود. وفي ظل الأزمة المالية العالمية الحالية، يمكن أن تشكل هذه الاتفاقية إحدى أدوات مكافحة تدني مستويات التجارة العالمية مما من شأنه أن يؤثر على التجارة الخارجية للدول الأعضاء لمنظمة المؤتمر الإسلامي. وكان من أبرز إنجازات الكومسيك وضع "الاتفاقية الإطارية لنظام الأفضلية التجارية" التي اعتمدتها الكومسيك في دورتها السادسة في أكتوبر 1990. ونظرا لأهميتها فسوف أستعرضها على حدة في ما يلي: إضافة إلى جدول أعمال الكومسيك العادي المتصل بالتعاون الاقتصادي والتجاري، عقدت اجتماعات وزارية تحت مظلة الكومسيك بالتزامن مع دوراتها العادية حول الصناعة والأمن الغذائي والتنمية الزراعية والنقل والاتصالات والطاقة والبنى التحتية والأعمال العامة والتعاون الفني. وفي هذا المقام، أود أن أؤكد أن الكومسيك أثبتت فعاليتها الكبيرة في تعزيز وتقويم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول الأعضاء. وخلال أربعين سنة، طورت المنظمة كذلك إطارا قانونيا متعدد الأطراف لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين دولها الأعضاء. وحاليا توجد ثمانية اتفاقيات حول التعاون في قطاعات مختلفة من الاقتصاد وهي: الاتفاقية العامة حول التعاون الاقتصادي والفني والتجاري، والاتفاقية حول تشجيع وحماية وضمان الاستثمارات، والاتفاقية الإطارية بشأن نظام الأفضليات التجارية، وبروتوكول خطة التعريف التفضيلية الخاصة بنظام الأفضليات التجارية بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، وقواعد المنشأ لنظام الأفضليات التجارية، والنظام الأساسي للمجلس الإسلامي للطيران المدني، والنظام الأساسي للاتحاد الإسلامي للاتصالات السلكية وللاسلكية، والنظام الأساسي لمعهد المواصفات والمقاييس للدول الإسلامية. إضافة إلى ذلك، توجد خطة عمل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدان الأعضاء في المنظمة، التي تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في عشرة قطاعات اقتصادية ذات أولوية. واعتمدت هذه الخطة في القمة الإسلامية الثالثة التي عقدت في مكة المكرمة والطائف في 1981. ومن الواضح أن القمة الإسلامية الثالثة شكلت منعطفا في جهود دول المنظمة لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بينها. فإضافة إلى قراراتها بإنشاء اللجان الدائمة الأساسية الثلاث، وهي الكومسيك والكومستيك والكومياك والمركز الإسلامي لتنمية التجارة ومنظمة الاتحاد الإسلامي لمالكي البواخر، وضعت الوثيقة الشاملة الأساسية الأولى في مجال التعاون الاقتصادي وهي خطة عمل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري التي نصت على إجراءات التعاون في عشرة قطاعات وهي الغذاء والزراعة والتجارة والصناعة والنقل والاتصالات والسياحة والقضايا المالية والنقدية والطاقة والعلوم والتكنولوجيا والأيدي العاملة والشؤون الاجتماعية والسكان والصحة والتعاون الفني. تعين إعادة النظر في خطة عمل 1981 نظرا للتطورات السريعة التي لوحظت على مستوى الاقتصاد العالمي والبيئة السياسية في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الميلادي الماضي، مثل سقوط حائط برلين وإعادة توحيد ألمانيا وانهيار التكتل الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفييتي وإنشاء السوق الأوروبية المشتركة. وانطلاقا من الخبرات السابقة للمنظمة والتغيرات العالمية والأجندة العالمية الجديدة تم إعداد استراتيجية وخطة عمل جديدة اعتمدتها الكومسيك في 1994. حيث حددت هذه الاستراتيجية الأهداف الكلية والمبادئ الأساسية والإجراءات والآليات بينما تم تحديد الخطة الجديدة في كل قطاع والمشاكل والقضايا والأهداف القطاعية وبرامج العمل في المجالات التالية: الغذاء والزراعة والتنمية الريفية والصناعة والطاقة والتعدين والتجارة الخارجية والنقل والاتصالات والسياحة والنقد والنظام المصرفي وتدفق رأس المال والتكنولوجيا والتعاون الفني وتنمية الموارد البشرية والبيئة. بالرغم من مختلف الجهود التي بذلت، أظهرت التجارب بطء تنفيذ خطة عمل المنظمة. وفي الواقع كان نجاح الخطة محدودا من حيث كل من النتائج النهائية الملموسة والمتابعة على المستويات الفنية والسياسية. وقد أدت أسباب عديدة ومتنوعة إلى إعاقة تنفيذ الخطة بنجاح أو بطء تنفيذها. وتراوحت هذه الأسباب بين تنظيمية وفنية ومالية وسياسية. كما كانت ذات صلة بالهيكل والسياق الفعلي لوثيقة الخطة، والهياكل المعقدة والمتنوعة لبلدان المنظمة كمجموعة. وقد اعترت وثيقة خطة عمل منظمة المؤتمر الإسلامي ثلاثة أوجه قصور أساسية وهي: غياب الإطار الزمني، وغياب الأهداف الكمية المحددة، وغياب تحديد الأولويات. وكما سوف نرى في جزء لاحق، تم تجاوز بعض أوجه القصور المذكورة مثل تحديد الإطار الزمني والأولويات والأهداف الكمية، عند إعداد برنامج العمل العشري. أيها المشاركون الموقرون إن برنامج العمل العشري لمنظمة المؤتمر الإسلامي الذي اعتمدته الدورة الاستثنائية الثالثة، يتيح خطة تشمل جميع مجالات الاهتمام للعالم الإسلامي وتدعو للقيام بعمل جماعي من جانب الأمة الإسلامية. وقد حدد هذا البرنامج أولويات لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء تمثلت في تنشيط التجارة والاستثمار ودعم الدول الإفريقية الأعضاء وتخفيف حدة الفقر والعمل على بناء القدرات في الدول الأعضاء الأقل نموا. كما كلف الكومسيك بزيادة مستوى التجارة البينية في إطار المنظمة من 5ر14% في 2004 إلى 20% في 2015. وفي هذا السياق يطيب لي أن أشير إلى أن الجهود التي تبذل على مستوى المنظمة قد أتت أكلها حيث وقعت تطورات إيجابية في السنوات الأخيرة. أولا: شهد نصيب الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي من إجمالي الناتج المحلي العالمي زيادة. ففي عام 2007 شكل نصيب دول منظمة المؤتمر الإسلامي، التي يسكنها نحو 22% من سكان العالم، 8ر6% من إجمالي الناتج المحلي العالمي و8ر9% من إجمالي السلع المصدرة مقابل 1ر6% و2ر9% على التوالي في سنة 2006. إضافة إلى ذلك تشير التقديرات الأولية إلى أنه يتوقع أن تكون هذه النسبة قد وصلت في 2008 إلى 3ر7%. ثانيا: وقعت زيادة مضطردة في حجم التجارة البينية في إطار المنظمة خلال السنوات الأخيرة. حيث زادت نسبتها إلى 67ر16% سنة 2008 من مستوى 5ر14% في 2004. وهكذا فإن نصيب المنظمة من إجمالي الناتج المحلي العالمي ومستوى التجارة البينية في إطار المنظمة، حقق نموا ملحوظا. ثالثا: تحقق نمو كبير في تطوير إطار قانوني لإنشاء نظام أفضلية تجارية بين بلدان المنظمة. فحاليا تشارك 21 دولة عضو في لجنة المفاوضات التجارية، وهي الجهاز المصرح له في إطار الكومسيك بإجراء المفاوضات التجارية. وتمثلت نتائج جهود هذه اللجنة في استكمال اتفاقيتين هامتين هما بروتوكول برنامج التعرفة التفضيلية لمنظمة المؤتمر الإسلامي المعروف اختصارا ببريتاس، وقواعد المنشأ الخاصة ببريتاس، وعرضهما على الدول الأعضاء للتوقيع والتصديق. وحتى اليوم وقعت بريتاس 15 دولة عضو وصدقتها 7 دول. كما وقعت 11 دولة قواعد المنشأ الخاصة ببريتاس وصدقتها 4 دول. وسوف تمكننا هاتان الوثيقتان من توحيد أحكام التجارة وإنشاء نظام تجاري مشترك يساعدنا على مواجهة تحدياتنا الاقتصادية بشكل أفضل. رابعا: أنشئت المؤسسة الإسلامية الدولية لتمويل التجارة في إطار مجموعة البنك الإسلامي للتنمية برأس مال مصرح قدره 3 مليار دولار ورأس المال المكتتب فيه قدره 750 مليون دولار. وبلغت المبالغ التي اعتمدتها المؤسسة في 2007 6ر2 مليار دولار، خصصت 77% منها لتمويل التجارة البينية في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي. إضافة إلى هذه التدابير، تركز المنظمة كذلك على مواضيع تسهيل التجارة مثل تنمية البنى التحتية، خاصة في مجال النقل. حيث يعتبر هذا المجال عاملا أساسيا في تعزيز وتعضيد وتقوية التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء. وفي هذا الصدد، اعتمدت القمة الإسلامية الحادية عشرة (13 – 14 مارس 2008 دكار- جمهورية السنغال) قرارا حول مشروع خط منظمة المؤتمر الإسلامي للسكة الحديد بين دكار وبورسودان، الذي يربط بين بلدان غرب إفريقيا وشرقها. وسوف تكون لهذا المشروع أهمية حيوية لكل بلد يعبرها حيث يفتح ممرا للتنمية خلال كثير من بلدان المنظمة الأقل نموا كما يعزز التكامل البناء الذي من شأنه أن يعود بمنافع اقتصادية حقيقية ويحقق شراكة متساوية. وفي خطوة هامة تجاه تنفيذ هذا المشروع بادرت شخصيا بعقد الاجتماع الأول للجنة تنفيذ هذا المشروع يومي 19 و20 يوليو 2008م في مقر المنظمة في جدة، المملكة العربية السعودية حيث أبدت الدول الأعضاء المعنية حرصها البالغ على تنفيذ هذا المشروع. ومن أجل المضي قدما في المشروع، عرضت الأمانة العامة مسودة وثيقة المشروع وعممتها على الدول الأعضاء المعنية. ومن المقرر أن يبحث اجتماع فريق الخبراء المزمع عقده في السودان خلال سنة 2009 هذه الوثيقة. أيها السيدات والسادة، ومن أبرز إنجازات تنفيذ برنامج العمل العشري إنشاء صندوق التضامن الإسلامي للتنمية في إطار البنك الإسلامي للتنمية برأس مال مستهدف قدره 10 مليار دولار. والهدف من الصندوق هو: أ) تقليص الفقر، ب) بناء القدرات الإنتاجية للدول الأعضاء في المنظمة، ج) تقليص الأمية، د) القضاء على الأمراض والأوبئة خاصة الملاريا والسل والإيدز. وقد دشن الصندوق رسميا خلال الاجتماع الثاني والثلاثين لمجلس محافظي البنك الإسلامي للتنمية (29 – 30 مايو 2007 دكار – السنغال). اعتمد مجلس إدارة الصندوق، في اجتماعه الذي عقد في طهران، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فبراير 2008م، الاستراتيجية الخمسية الأولى للصندوق. حيث أكدت الاستراتيجية أهمية تقليص الفقر باعتبارها الهدف الأساسي كما ركزت الاستراتيجية على تنفيذ برنامجين أساسيين هما برنامج التعليم المهني وبرنامج دعم التمويل المصغر. ويشار إلى أن هذين البرنامجين ينشدان سد فجوة مزدوجة على مستوى المعرفة وحصول الفقراء على التمويل في الدول الإسلامية. وتقدر تكلفة كل برنامج بـ 500 مليون دولار. ويتوقع أن يستفيد من البرنامجين 5 مليون نسمة معظمهم من النساء والشباب العاطلين عن العمل. إضافة إلى ذلك، اعتمد مجلس إدارة الصندوق 23 مشروعا بلغ إجمالي مساهمة الصندوق فيها 323 مليون دولار منذ تدشينه في مايو 2007. كذلك، ينشد من برنامج العمل العشري تعزيز النشاطات الموجهة لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية في الدول الإفريقية الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي حيث دعا البرنامج إلى اعتماد برنامج خاص للتنمية في إفريقيا. ووفقا لذلك، وضع البنك الإسلامي للتنمية في عام 2008 برنامجا خاصا للتنمية في إفريقيا (SPDA). وتبلغ مدة هذا البرنامج خمس سنوات من 2008 إلى 2012. وتهدف الأولويات القطاعية للبرنامج إلى تقليص حدة الفقر لا سيما عن طريق تحقيق أهداف الألفية الإنمائية للأمم المتحدة، وفي نفس الوقت تعزيز النمو الاقتصادي وزيادة القدرة التنافسية للدول الإفريقية الأعضاء في المنظمة على الساحة الدولية. ومن المتوقع أن يوفر البرنامج الخاص لتنمية إفريقيا، على مدى خمس سنوات، مبلغ 12 مليار دولار أمريكي كحجم تمويل. ويعطي البرنامج الأولوية للمجالات التالية: I) زيادة الإنتاجية الزراعية من أجل تحقيق أمن الغذاء؛ II) مساعدة الدول في إنشاء مشاريع المياه والمرافق الصحية وإدارتها؛ III) دعم قدرات توليد الطاقة وتوزيعها؛ IV) دعم إنشاء البنية التحتية للنقل والمواصلات وصيانتها؛ V) تعزيز قدرات قطاع التعليم لإعداد الشباب لسوق العمل وتشجيع القيم الأخلاقية وحب الإنجاز؛ VI) مكافحة الأمراض المعدية الأساسية والإسهام في تقوية قطاع الصحة. الحضور الكرام في عالم متشابك تحكمه العولمة، بات جليا أن السياحة إحدى أكبر القطاعات الاقتصادية وأكثرها نموا ونشاطا. فالسياحة توفر العملات الأجنبية والعديد من فرص العمل. ولذلك أصبحت أنشطة التعاون السياحي تمثل أهمية متعاظمة على جدول أعمال منظمة المؤتمر الإسلامي. ويرجع ذلك بشكل أكيد إلى حقيقة أن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي بدأت تحتل مكانة متقدمة بين الوجهات السياحية الدولية الرئيسية في العالم، مثل تركيا وماليزيا ومصر وتونس والمغرب... وغيرها. وبلغ عدد السائحين الدوليين الذين وفدوا إلى الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي 116 مليون سائح بعائدات تجاوزت 75 مليار في عام 2006. وبلغ عدد السائحين من دول منظمة المؤتمر الإسلامي ثلث العدد الإجمالي للسائحين. ويظهر هذا الرقم النتائج الواعدة لجهود منظمة المؤتمر الإسلامي في دعم التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء. وترتبط تنمية القطاع السياحي في الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي ارتباطا وثيقا بتحقيق أهداف برنامج العمل العشري للمنظمة. وقد انعقدت حتى الآن ست دورات للمؤتمر الإسلامي لوزراء السياحة (ICMT). وتم في الجلسات الست الأخيرة للمؤتمر الإسلامي لوزراء السياحة دراسة وتبني "إطار العمل للتنمية والتعاون في مجال السياحة بين الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي"، والذي يهدف إلى زيادة الوعي العام في دول المنظمة بشأن مواقع الجذب السياحي، والموارد والمرافق الموجودة في العالم الإسلامي بغية تشجيع الرحلات السياحية إلى الدول الإسلامية الأخرى من خلال توفير معلومات كاملة عن السائحين المتوقعين، وكذا زيادة القدرات السياحية الموجودة وتطويرها. ومن ثم نظمت حكومة الجمهورية العربية السورية، بصفتها رئيسا للدورة السادسة للمؤتمر الإسلامي لوزراء السياحة، والأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي الاجتماع الأول للجنة التنسيق بشأن تنفيذ "إطار العمل للتنمية والتعاون في مجال السياحة بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي" في دمشق بسورية في مارس/آذار 2007، كما شرعت الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي في تنفيذ مشروعات مشتركة في هذا المجال. وأذكر هنا على سبيل المثال مشروع "التنمية المستدامة للسياحة من خلال شبكة من الحدائق والمنتزهات والمحميات عبر الحدود في غرب إفريقيا"، والذي يغطي تسع دول أعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي. وبالإضافة إلى ذلك، تم بنجاح تنظيم معرض منظمة المؤتمر الإسلامي للسياحة (تركيا 2005)، ومنتدى السياحة الإسلامي الأول (السعودية 2007)، كونهما أهم أدوات تعزيز وتسويق المنتجات السياحية المتنوعة والخدمات المرتبطة بها. ويسرني في هذا السياق الإشارة إلى المعرض الثاني للسياحة الذي سينعقد في بيروت بالجمهورية اللبنانية في يونيو/حزيران 2009. وكلي ثقة في أن هذا المعرض سيسهم في تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء. أود أيضا أن أسترعي انتباهكم إلى قطاع اقتصادي آخر تعمل فيه منظمة المؤتمر الإسلامي بنشاط لتعزيز التعاون. هذا القطاع هو قطاع القطن، وهو يلعب دورا هاما في التنمية الاجتماعية والاقتصادية لأكثر من 20 دولة عضو في المنظمة حيث يبلغ نصيب هذه الدول 28% من إجمالي إنتاج القطن في العالم، و24% من إجمالي استهلاك القطن في العالم، و36% من الصادرات العالمية للقطن، و27% من الواردات العالمية للقطن. ويمثل القطن أهمية خاصة للرفاهية والتنمية الاجتماعيتين والاقتصاديتين للدول الأعضاء في وسط وغرب إفريقيا. ولتطوير قطاع القطن في هذه الدول أهمية قصوى من حيث: أن إنتاجه يعد نشاطا اقتصاديا هاما، كما أن زراعة القطن توفر فرص عمل لغالبية سكان الريف. إلا أنه وعلى الرغم من الدور الهام الذي يلعبه إنتاج القطن وصادراته في وسط وغرب إفريقيا، تميل أسعار القطن، التي يتم ضبطها حسب التضخم، إلى لانخفاض على المدى الطويل وذلك طبقا لدراسة{ } أجرتها اللجنة الاستشارية الدولية بشأن القطن (ICAC{ }) والسبب الرئيسي لهذه الظاهرة هو الأثر المدمر للدعم الزراعي الداخلي من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويهدف هذا الدعم إلى مساعدة منتجي القطن في المنطقتين. وزيادة الإنتاج والتصدير؛ والضغط من أجل خفض أسعار القطن في الأسواق العالمية. ويشكل انخفاض أسعار القطن تهديدا بالغ الخطورة على التنمية المستدامة في الدول النامية المنتجة والمصدرة للقطن، وعائقا رئيسيا أمام جهودنا في مكافحة الفقر في الدول الإفريقية. وعليه، فقد أولت منظمة المؤتمر الإسلامي منذ عام 2005، الأهمية القصوى لتنشيط التنمية في قطاع القطن، لا سيما، في دول وسط وغرب إفريقيا. فقامت المنظمة برعاية البرنامج الخماسي للقطن (2007 – 2011) وإقراره لمساعدة الدول الأعضاء على تعزيز إنتاج القطن. إن غالبية الحاضرين هنا يدركون جيدا أن أحد أكبر التحديات التي تواجه منظمة المؤتمر الإسلامي اليوم هو التباين الاقتصادي الكبير الموجود بين الدول الأعضاء. لكن ينبغي النظر إلى هذا التباين على أنه مدعاة للتعاون وليس عقبة أمام تفاعل أكبر. ولهذا السبب، تركز منظمة المؤتمر الإسلامي ومؤسساتها بشكل أكبر على التنمية والتعاون الاقتصاديين بين الدول الأعضاء من خلال الشروع في تنفيذ برامج ومشاريع عديدة من أجل استفادة الدول الأعضاء. ومن ثم يتعين على الحكومات ومجتمع الأعمال في كافة الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي اتخاذ خطوات جادة للاستفادة من هذه المؤسسات على النحو الأمثل إذا ما أرادت تعزيز التكامل الاقتصادي فيما بينها. السيدات والسادة، أود في هذه المناسبة أيضاً أن أعرج باختصار على الأزمة المالية العالمية التي سبقتها أزمة غذائية أحدثت خللاً في الاقتصاد الزراعي العالمي وأبرزت هشاشة أمن الغذاء في العالم. وتفيد التقديرات أنه نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار الغذاء والنفط، وقع 100 مليون شخص آخرين ضحية للفقر. إلا أن هذه الأسعار انخفضت الآن. وعلى الرغم من ذلك، هناك مئات الملايين من الأشخاص في الدول الفقيرة يحاولون جاهدين التوفيق بين ميزانية الأسرة ودخل يبلغ دولاران أمريكيان أو أقل. واستجابة للأزمة العالمية للغذاء، بحث اجتماع وزراء الخارجية لدول منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الخامسة والثلاثين مسألة أمن الغذاء في الدول الأعضاء بالمنظمة واعتمد قراراً في هذا الشأن. دعا هذا القرار الدول الأعضاء إلى توحيد جهودها لمعالجة أزمة الغذاء وأكد مجدداً على أهمية التعاون فيما بينها لتنفيذ مشروعات زراعية مشتركة تهدف إلى زيادة إنتاجها الزراعي من خلال الاستثمارات، وتبادل الخبرات وتوفير الأراضي الزراعية. ويسعدني في هذا الشأن أن أشير إلى أنه يتم حالياً عقد اتفاقيات شراكة بين دول منظمة المؤتمر الإسلامي التي تمتلك الموارد المالية، والقدرات الإدارية والتقنيات والدول التي تمتلك الأراضي الزراعية والمياه والموارد البشرية. في نوفمبر الماضي، أشار السيد روبرت زويلك، رئيس مجموعة البنك الدولي إلى أن "الدول الأشد فقراً والضعيفة "في العالم النامي ستكون الأكثر تضرراً من الأزمة المالية العالمية. كما توقع أن يتسبب كل انخفاض بنسبة 1% في النمو الاقتصادي بالدول النامية في إفقار 20 مليون شخص آخرين. ويؤدي وقوع الناس في طائلة الفقر غالباً إلى ازدياد الصراعات والتهديدات للسلام والأمن الوطنيين والإقليميين والعالميين. ومن ثم لا ينبغي قصر الأزمة المالية العالمية الحالية على الجوانب والنتائج الاقتصادية لأنها قد تتسبب في الغالب في مشكلات سياسية واجتماعية وديموغرافية حادة. ويتوقع البنك الدولي أن ينكمش الاقتصاد العالمي بنسبة 1 إلى 2 بالمائة هذا العام، مع إمكانية امتداد الصعوبات إلى عام 2010. وتعد هذه الأرقام أسوأ من الأرقام التي توقعها البنك في السابق. وتتشابه توقعات صندوق النقد الدولي مع هذه التوقعات: حيث يرى أن الاقتصاد العالمي سينكمش بنسبة 0،5 إلى 1 في المائة في عام 2009 لكن ربما يحدث تعافيا في الربعين الأولين من عام 2010. لكن تقديرات منظمة الثلاثين للتعاون والتنمية الاقتصاديين أكثر تشاؤماً: حيث تتوقع أن تنكمش اقتصادات دولها الأعضاء بنسبة 4.3% هذا العام مع استمرار الركود حتى عام 2010 وهو تنبؤ أكثر تشاؤماً من أرقام البنك الدولي. كما أنه وفقاً لعدد شهر إبريل 2009 من مجلة "WORLD ECONOMIC OUTLOOK" التي تصدر عن البنك الدولي، فإن الاقتصاد العالمي يمر الآن بأسوأ مرحلة انكماش اقتصادي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وقد شبه اثنان من أساتذة الاقتصاد في العالم، الأزمة العالمية الحالية بالكساد العظيم لعام 1929؛ ودللا على أن الاقتصاد العالمي يشهد الآن انحداراً كالذي وقع أثناء الكساد العظيم؛ بل إن الإنتاج الصناعي وحجم التجارة وأسواق الأسهم تهوي بسرعة أكبر من تلك التي هوت بها في عامي 1929 و1930. ولكن، لحسن الحظ فإن التدابير النقدية والمالية المتبعة هذه الأيام للتصدي للأزمة أفضل من تلك التي كانت متبعة آنذاك{ }. لقد دفعت الأزمة المالية العالمية العديد إلى التساؤل عن مدى نزاهة واستدامة النظام النقدي والمالي العالمي الحالي فقد قال السيد إزهاو شياو شوان، محافظ البنك المركزي الصيني "لقد عكس اندلاع هذه الأزمة وانتشارها في العالم بأسره مواطن الضعف الموروثة والمخاطر النظامية في النظام النقدي العالمي الحالي"{ }. واقترح في مقاله الذي نشر على موقع البنك في مارس 2009، استبدال الدولار الأمريكي، العملة الاحتياطية العالمية، بنظام عالمي جديد يديره صندوق النقد الدولي. وشدد على أن "الهدف المنشود لإصلاح النظام النقدي العالمي يتمثل في استحداث عملة احتياطية عالمية، لا ترتبط بدول معينة وتتمتع باستقرار على المدى البعيد، ومن ثم تقضي على العيوب الموروثة والناتجة عن استخدام عملات وطنية تقوم على الائتمان". ومن أجل تحقيق هذه الغاية اقترح السيد إزهاو تعظيم دور حقوق السحب الخاصة (SDR) لصندوق النقد الدولي بغرض استخدامها في التجارة الدولية والمعاملات المالية. ويعكس هذا المقال قلق الصين بشأن التضخم الذي قد تسببه طباعة المزيد من الدولارات من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لمواجهة الأزمة الحالية. وتأتي مخاوف الصين في مجلها إذا ما أخذنا في الحسبان أنها تمتلك 000ر2 مليار دولار أمريكي احتياطي من العملة الأجنبية. كما أن المقال يعد بمثابة انتقاد كبير للنظام النقدي والمالي العالمي السائد. وأنا على ثقة من أن هذا المؤتمر سيناقش أيضا أسباب هذه الأزمة العالمية وآثارها بهدف تقديم توصيات ملموسة لإنقاذ اقتصادات الدول النامية وبخاصة الأقل نموا وهي الأكثر تأثرا بالأزمة. ووسط هذه الأزمة المالية الأسوأ، يبحث العالم باستماتة عن حل عملي يؤدي إلى إيجاد نظام مالي مستدام. وهنا يمتلك النظام المصرفي والمالي الإسلامي فرصة لتنبؤ مكانة هامة في النظام المالي العالمي الجديد لاستعادة الثقة وبناءها. حيث أكد عدد من الخبراء والمسؤولين في مجال المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية أن النظام المصرفي الإسلامي لم يتأثر بالأزمة المالية العالمية، وأن أي آثار سلبية ستكون محدودة نتيجة لطبيعة هذا النظام. وعلى الرغم من ظهور النظام المصرفي الإسلامي في السبعينيات من القرن الماضي فقط، ازدهر هذا النظام في العديد من الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي. كما أنه عمل بشكل طيب مؤخرا في الدول غير الإسلامية، ويعتقد بأن أصوله المالية ستصل إلى ما بين 700 إلى 900 مليار دولار أمريكي في عام 2009. وقد أصدرت العديد من المؤسسات العالمية ودول العالم الصكوك الإسلامية التي بلغت قيمتها المجمعة 100 مليار دولار وفقا لبعض التقديرات. وبلغت قيمة إجمالي الصكوك الإسلامية الصادرة حتى نهاية عام 2008 ما يقدر بـ 82 مليار دولار. وهكذا يصبح النظام المصرفي الإسلامي أحد أهم النظم النامية والواعدة مستقبلا. إلا أن هذا النظام لم يبلغ بعد الدرجة التي تؤهله ليكون بديلا حقيقيا للنظم المصرفية والمالية التقليدية. حيث لا يزال يشكل نسبة صغيرة في قطاع الخدمات المصرفية والمالية العالمية. ومن ثم يأتي هذا المؤتمر بمثابة فرصة لنا للتفكير في كيفية جعل الاقتصادات الإسلامية بديلا ونظاما اقتصاديا ملائما لبلداننا. وقبل الختام، أود القول بأن التضامن الإسلامي كان المحرك الأساسي الذي شجع على تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1969. وفي ذلك العام ولدت المنظمة في عالم يختلف عن عالمنا اليوم. حيث كانت غالبية الدول الأعضاء وقتها دولا ناشئة حصلت على استقلالها حديثا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ وتمر بقترة انتقالية صعبة لترسيخ دعائمها. وكان لهذه الدول هدف أساس وهو: تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية سريعة. وكان ذلك ضروريا لسد فجوة الدخل والتنمية بينها وبين الدول المتقدمة. وكانت هناك مناقشات فنية هامة بين الاقتصاديين حول ما إذا كانت هذه الدول نامية أم تحت نامية (متخلفة). ووافق عاما 1969 و1970 نهاية "عقد الأمم المتحدة الأول للتنمية". وحدد الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك عقد السبعينات ليكون "عقد الأمم المتحدة الثاني للتنمية". وكان العالم وقتها منقسما إلى "شمال" و "جنوب". وكانت دول المنظمة تنتمي إلى معسكر "الجنوب". ولم يكن الحوار بين الشمال والجنوب واعدا بما فيه الكفاية لفتح آفاق للتنمية في بيئة من المنافسة الشرسة إلا فيما يتعلق ببيع المواد الخام. لكن كان أمام هذه الدول بديلا آخرا لتحقيق النمو الاقتصادي والصناعي وهو: التعاون فيما بينها. أي تعاون "الجنوب والجنوب". فسعت هذه الدول بشكل متزايد إلى البحث عن طرق للتعاون لزيادة التجارة والاستثمار، وحل المشكلات المشتركة من خلال الترتيبات الثنائية أو المتعددة الأطراف. وكانت منظمة المؤتمر الإسلامي من الوسائل الفعالة في ذلك. وعلى مدار السنين، لم تصبح منظمة المؤتمر الإسلامي اتحادا للدول مثل "الاتحاد الأوروبي"، لكنها عملت كإطار مشترك لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دولها الأعضاء. حيث جمعت سويا دولا تمتلك خصائص ديموغرافية وجغرافية متباينة ونظم دولة وهياكل اجتماعية متنوعة. وحدثت تحولات كبيرة في الاقتصاد والسياسة العالميين بعد تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي؛ وشكلت التغيرات والتحديات التي تواجهها الدول الإسلامية محور عملية تنمية المنظمة. وبمرور الوقت تطورت لتصبح منظمة حكومية ناضجة تضم 57 دولة في عضويتها وتأتي بعد الأمم المتحدة في الترتيب. واليوم، ونحن نحتفل بالذكرى الأربعين لتأسيسها باتت المنظمة أكثر نضجا واستعدادا من أي وقت مضى لخدمة قضايا دولها الأعضاء والأمة الإسلامية. وختاما، أود القول بأنني عرجت على العديد من القضايا الاقتصادية ذات الأهمية الكبيرة لأمتنا. وتحتاج جميع هذه القضايا إلى الدراسة العميقة والمعالجة الجادة. وأنا على يقين راسخ بأن مداولاتكم والتوصيات التي تعتمدونها ستمثل أداة جوهرية لتقدم الاقتصاديات الإسلامية في دولنا وفي العالم بأسره. أتمنى لمداولاتكم كل النجاح وأتطلع إلى النتائج الإيجابية لهذا المؤتمر. وأشكركم على حسن المتابعة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته