التاريخ: 11/03/2009
طهران – الجمهورية الإسلامية الإيرانية 11 مارس 2009م بسم الله الرحمن الرحيم فخامة الدكتور أحمدي نجاد، رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أصحاب الفخامة رؤساء الدول والحكومات، المندوبين الموقرين، حضرات السيدات والسادة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إنه لمن دواعي الشرف والسعادة الغامرة أن أخاطب هذه القمة البارزة لمنظمة التعاون الاقتصادي، وأود أن أعرب عن امتناني الصادق لحكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية على ما اتخذته من ترتيبات متميزة لتنظيم هذا الحدث الهام. إن قمة منظمة التعاون الاقتصادي تشكل منبرا مهما، وأنا سعيد للغاية باعتزام القمة استعراض، من ضمن أمور أخرى، الوضع الراهن للأزمة الاقتصادية والمالية العالمية وبحث وتدارس السبل والوسائل الكفيلة بمواجهة آثارها على التنمية الاقتصادية للدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي، والتي تعتبر في الوقت ذاته دولا من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. أصحاب الفخامة والمعالي، المندوبين الموقرين، تنعقد هذه القمة في وقت يمر فيها العالم بأزمة اقتصادية ومالية حادة جعلت الاقتصاد العالمي منغمسا في حالة شديدة من الركود ويسود الاعتقاد بأن انكماشا اقتصاديا واسع النطاق سيستمر لبضع الوقت، ويوضح بعض علماء الاقتصاد أن نوعا من التعافي الاقتصادي لن يطرأ على الاقتصاد العالمي إلا بحلول عام 2010م، حتى لو تبنت البلدان سياسات سليمة لمعالجة حالة الركود الاقتصادي. وفي ظل هذا المناخ، لن يكون أي بلد في العالم في مأمن من آثار الأزمة الاقتصادية والمالية والركود الاقتصادي العالمي الناجم عنها. ومع الأخذ في الاعتبار هذه التطورات، ونظرا لاستمرار الصدمات، الواحدة تلو الأخرى، داخل الأسواق العالمية وما يترتب عن ذلك من آثار على الاقتصاد العالمي يبدو أن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي ستتضرر بدورها بسبب حالة عدم الاستقرار التي تطبع الأسواق المالية العالمية وانهيار أسعار السلع العالمية وانخفاض الطلب على صادراتها وتنامي السياسات الحمائية التي تنتهجها البلدان المتقدمة. ومن ثم فإن معالجة هذه التحديات أمر يتوقف على الكيفية التي سنتعامل بها فيما بيننا. وفي ضوء هذه التحديات يستلزم الأمر تعزيز علاقات التعاون فيما بين بلداننا بغية تحقيق الآمال والتطلعات الإنمائية لشعوبنا الشقيقة من أجل ضمان أعلى مستويات المعيشة لأبنائها. أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة، إن الدول السبع والخمسين الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي تشكل تقريبا خمس تعداد سكان العالم والسدس من إجمالي مساحته، وقد حباها الله تعالى بموارد وطاقات اقتصادية هائلة في شتى المجالات والقطاعات، مثل الزراعة والأراضي الصالحة للزراعة والطاقة والمعادن والموارد البشرية وبمناطق تجارة استراتيجية مترامية الأطراف ويجب أن تتجلى هذه الطاقات الكامنة المتأصلة في وجود مستويات معقولة من التنمية الاقتصادية والبشرية في الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. ولقد شكل الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي نسبة 8ر6% من الناتج الإجمالي العالمي ونسبة 8ر9% من إجمالي صادرات العالم من السلع عام 2007م. ونحن، بالطبع، غير راضين على هذه النسب، إذ نأمل في أن تحقق بلداننا إنجازات أفضل تتناسب مع ما لديها من إمكانات اقتصادية. ونلاحظ في هذا الصدد، وجود مؤشرات إيجابية: أولا إن حصص الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي في هذه المؤشرات تميل إلى الارتفاع، وثانيا إن النسب معدل النمو لكل من الناتج المحلي الإجمالي والناتج الإجمالي للفرد واللذين سجلتهما هذه لدول كانت أعلى من المعدلات العالمية خلال فترة السنوات الخمس الماضية. وهي بيانات تدعونا للتفاؤل، ويتعين علينا بذل قصارى الجهود لتعزيز وتمتين هذه الصورة والحيلولة دون تضررها جراء الأزمة الاقتصادية والمالية السائدة. أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة، في ظل هذا المناخ السائد، على وجه الخصوص، أصبح هدف منظمة المؤتمر الإسلامي "تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء" والذي أكد عليه الميثاق الجديد للمنظمة، يكتسي أهمية بالغة, فالتجارة بين الأمم تعتبر محركا للنمو الاقتصادي، وثمة ترابط وثيق بين النمو في التجارة والنمو في الناتج، إذ يعزز كل منهما الآخر. وقد كلف برنامج العمل العشري المنظمة بتعزيز مستوى التجارية الإسلامية البينية لتصل إلى نسبة 20% بحلول عام 2015م. وقد طرأت خلال السنوات الأخيرة تطورات إيجابية عديدة. وتتمثل أولاها في تسجيل زيادة مطردة في التجارة الإسلامية البينية خلال السنوات الماضية، حيث ارتفعت إلى 7ر16% عام 2008م، حيث لم تكن تتجاوز نسبة 5ر14% عام 2004م، أما التطور الثاني فيتمثل في التقدم الملموس الذي تم إحرازه في وضع نظام للأفضلية التجارية بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. فلقد تم استكمال اتفاقيتين مهمتين للغاية وهما: بروتوكول نظام التعريفة التفضيلية للدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي وقواعد المنشأ لنظام الأفضلية التجارية لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وعرضها للتوقيع والتصديق عليها من قبل الدول الأعضاء. وقد وقعت حتى اليوم خمس عشرة دولة على نظام التعريفة التفضيلية وصادقت عليه سبع دول من الدول الأعضاء. وعندما يدخل هذا البروتوكول حيز التنفيذ سيبدأ عهد جديد ستتعزز فيه التجارة الإسلامية البينية، وسيمهد الطريق لتحقيق واحد من الأهداف الأساسية المنشودة، ألا وهو إنشاء منطقة للتجارة الحرة. ونتيجة لذلك سيكون بمقدورنا أن نعزز جهودنا لملاءمة قواعد التجارة ووضع نظام تجاري مشترك، وسترسي الأسس اللازمة لإقامة تعاون اقتصادي أوثق بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي وسندرك جميعا أنه سيكون بوسعنا أن نذلل بسهولة أكبر جميع مشاكلنا الاقتصادية. وانطلاقا من هذا المنظور، فإنني موقن بأن مشاركة الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي بالمزيد من الفاعلية في المفاوضات التجارية لمنظمة المؤتمر الإسلامي وتوقيعها وتصديقها على الاتفاقيات المرتبطة بها سيوفر الإطار اللازم لتعزيز التعاون الاقتصادي في هذه المنطقة، وهو هدف مشترك تنشده كل من منظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة التعاون الاقتصادي. وتجدر الإشارة في هذا المقام كذلك إلى أن برنامج منظمة المؤتمر الإسلامي للقطن يشكل واحدا من المجالات المثلى للتعاون، والذي يتعين على الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي أن تشارك فيه مشاركة رئيسية، فقطاع القطن من حيث الإنتاج والمعالجة والتصنيع والتجارة الخارجية والتشغيل، يكتسي مكانة هامة واستراتيجية بالنسبة لغالبية الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. ويضطلع القطن بدور هام كذلك في الحياة الاجتماعية والاقتصادية بالنسبة للعديد من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. وقد وضعت المنظمة برنامجا ناجحا في هذا القطاع. وأعلنت، فضلا عن ذلك، عن برنامج حول "تطوير الصناعات الغذائية في إفريقيا" والذي يتعين على الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي أن تعتبره فرصة استثمارية أو أن تتخذه نموذجا داخل منطقة منظمة التعاون الاقتصادي . حضرات السيدات والسادة، بالرغم من أن الدول الأعضاء الأكثر تطورا نسبيا، كانت لها حتى عهد قريب علاقات اقتصادية وتجارية أوسع من غيرها من البلدان من خارج العالم الإسلامي، وخاصة المتقدمة منها، فإن الرغبة في تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء في ازدياد. وبهذه المناسبة، أود أن أشير إلى أن الأزمة المالية العالمية التي ألحقت أشد الضرر بالاقتصادات المتقدمة، وأضحت تشكل تحديا كبيرا لاقتصادات الأخرى، يمكن أن تشكل أيضا فرصة لبعض الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي ولا سيما فيما يتعلق بتعزيز التجارة الإسلامية البينية. وبسبب الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرها من البلدان المتقدمة، بدأ يعتري المبادلات التجارية بين الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي مع هذه البلدان نوع من التراجع. إلا أنه بالإمكان تعويض تلك الخسائر من خلال تعزيز التجارة مع أعضاء آخرين في منظمة المؤتمر الإسلامي. ومن ثم فإن تعزيز نطاق التعاون التجاري بين الدول الأعضاء يمكن أن يشكل حافزا لمختلف أشكال الاندماج فيما بينها وتمكينها من المواجهة الفعالة للتحديات التي تواجه الأمة الإسلامية. وعليه، فإنني أدعو الدول الأعضاء إلى بذل المزيد من الجهود لمعالجة هذه المشاكل لتحقيق التنمية المستدامة. أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة، المندوبين الموقرين، إنني بصفتي أمينا عاما لمنظمة المؤتمر الإسلامي لموقن بأن التعاون الوثيق بين منظمة المؤتمر الإسلامي وبين منظمة التعاون الاقتصادي من شأنه أن يعزز عملية التنسيق وأن يضفي المزيد من الفاعلية على عملية تنفيذ نشاطات كل منهما في الدول التي تشترك في عضوية كل منهما. وسعيا إلى تحقيق ذلك يتعين استكشاف ووضع آلية لإقامة علاقة مثمرة ودائمة بين الأمانتين العامتين للمنظمتين ومؤسساتهما المعنية وذلك بغية توثيق علاقات العمل في شتى المجالات ذات الصلة. وفي الختام، أتمنى لكم جميعا كامل التوفيق والسداد في مداولاتكم التي ستسهم بالتأكيد إسهاما مهما لتحقيق هذا المسعى وفي دعم جهود البلدان الإسلامية الرامية إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري وخاصة منها بلدان منظمة التعاون الاقتصادي. السيد الرئيس، إنني أعلم أنكم ستحتفلون الأسبوع القادم بعيد نوروز، ولذا أود أن أختتم هذه الكلمة للاستشهاد ببيت شعري للشاعر المشهور "مولانا" الذي قال فيه: بهار آمد، بهار آمد، بهار خوش عذار آمد خوش وسر سبز شد عالم، عوان لاله زار آمد آمل كذلك في أن نشهد المزيد من الازدهار في التنمية الاقتصادية في بلدان الأمة الإسلامية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.