التاريخ: 31/03/2009
بسم الله الرحمن الرحيم صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر، أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، أصحاب المعالي والسعادة، أيها السيدات والسادة، يطيب لي أن أعرب عن عميق الشكر لدولة قطر، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ولحكومة قطر وشعبها لكل ما حظينا به في هذا البلد الكريم من حرارة الاستقبال، ومن مظاهر الحفاوة وحسن الوفادة، التي تعكس سجايا هذا الشعب المضياف وأصالته، وحرصه وحدبه على خير الأمة ومصالحها. والشكر موصول لما تبذله قطر من جهود مخلصة، ومبادرات موفقة حميدة، للتمهيد لانعقاد هذا الاجتماع الهام في أفضل الظروف. واسمحوا لي أن أعرب عن عميق ارتياح منظمة المؤتمر الإسلامي لما بادر به خادم الحرمين الشريفين من دعوة للمصالحة العربية ستكون لها أحسن النتائج لجمع شمل صفّ الأمّة العربية. وكما تعلمون جميعا، فإن العالم الإسلامي يقف على الدوام، موقف النصير الدائم لكل قضايا العالم العربي، بل ويعتبر هذه القضايا قضاياه المحوريّة. ويحرص دائما على أن يكون الداعم والمؤيد لجهود المواقف العربية، مؤمنا بأنه العمق الاستراتيجي الطبيعي الممتد للعالم العربي عبر أربع قارات، وباعتبار وزنه الديمغرافي الكبير الذي يضم خمس سكان العالم. وهذا واقع ينبغي أن يستغل أفضل استغلال لإعطاء وزنٍ فاعل للمواقف العربية في المحافل الدولية، وعلى مستوى العالم، كما أثبتت التجارب السابقة. وقد وضعنا مؤخرا لهذا الأمر الإطار المؤسسي للتنسيق بين منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية بفضل جهود وتعاون أخي السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية. وأصبحنا اليوم نقف على عتبة عهد جديد من العمل العربي الإسلامي المشترك سيعود علينا بمزيد من التضامن والتناصر. ومن واقع إيماننا بهذا التطابق بوحدة المصالح، أولينا اهتمامنا الخاص في منظمة المؤتمر الإسلامي لعدد من القضايا العربية، وعلى رأسها قضية فلسطين وما يسمى بالنزاع العربي الإسرائيلي، والوضع في العراق، والصومال، ودار فور وغيرها. وقد زرت قبل أسابيع غزة، حيث وقفت على حجم الدمار الذي أصاب هذا القطاع والتقيت بجموع الاجئين وشهدت آثار العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي تجاوز كل حدود فظاعة الحروب وويلاتها، والذي انطوى على جرائم حرب مشهودة، وجرائم ضد الإنسانية وممارسات وحشيّة تعمّدت قتل الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين الأبرياء، واستعمال الأسلحة المحرمة دولياً. وبات من واجبنا الآن أن تتضافر جهودنا لمحاكمة مقترفي هذه الجرائم أمام المحاكم الدولية المختصة، والإسراع في بدء إعمار القطاع، ورفع الضائقة والمعاناة عن اخواننا هناك. وتتعرض مدينة القدس الشريف منذ سنوات عديدة وخاصة في الأشهر الأخيرة إلى حملة شرسة غير مسبوقة تهدف إلى تهويدها وطمس معالمها التاريخية كلية، مما يؤدي إلى تقويض مسيرة المفاوضات النهائية حول هذه المدينة المقدسة. ويتجلى هذا في السياسة العنصرية المتطرفة الجديدة التي ينهجها عمدّة القدس الجديد الذي وضع في خططه هدم المنازل وطمس المعالم العربية الإسلامية في القدس على نطاق واسع، وقد أصبح هذا الخطر اليوم محدقاً لا يمكن السكوت عليه، بل يستدعي أعمالاً على أعلى المستويات، وبعيدا عن الإدانات اللفظية، وإلا فسيصاب العالمان العربي والإسلامي – لا قدر الله – بنكسة خطيرة بضياع هذه المدينة المباركة كلية، وخضوعها للأطماع الإسرائيلية. ونثمن في هذا الصدد كذلك الجهود الحميدة التي تقوم بها الدول العربية وخاصة مبادرة جمهورية مصر العربية لرأب الصدع في البيت الفلسطيني، والعمل على وحدة الفصائل والأطراف الفلسطينية في هذا الظرف الدولي العصيب الذي لا يحتمل تشتت العمل الفلسطيني، أو تفرق الكلمة وتناقض المواقف. ومن ناحية أخرى، استمرّ اهتمامنا الفعلي بالشأن العراقي. فبعد جهودنا المثمرة في المساعدة على وقف الاقتتال الطائفي في العراق وتجريمه بفضل وثيقة مكة التي أقنعنا المرجعيات الدينية العراقية بتوقيعها والالتزام بها في عام 2006م، قمنا مؤخرا بفتح مكتب للمنظمة في بغداد، حيث قمت بزيارة لها مصحوباً بممثلين لكل مؤسسات المنظمة لدراسة إمكانيات مساهمة المنظمة ودول العالم الإسلامي في إعمار العراق وإعادة تأهيل مؤسساته. وكان موقفنا من قضية دار فور واضحاً حيث ناصرنا السودان، ورفضنا إزدواجية المعايير في ما يتعلق بموقف محكمة الجزاء الدولية ضد فخامة الرئيس السوداني عمر حسن البشير، وأعلنا التضامن مع السودان في هذا الشأن، وأكدت ذلك شخصيا لفخامـة الرئيس السـوداني أثناء زيارتي له قبل أسبوعين، ولكننا طالبنا – في الوقت ذاته – بأن يقوم القضاء السوداني بكل ما تتطلبه العدالة من محاكمة المتورطين في أعمال إجرامية في دار فور، حتى يشعر الرأي العام الدولي بجدية تعامل الحكومة مع الوضع الأمني والإنساني هناك. كما أن المنظمة تدعم المبادرة العربية – الإفريقية لمحادثات السلام في دارفور والتي تقودها دولة قطر. وقد شاركت شخصياً في الاجتماع الافتتاحي لهذه المحادثات في الدوحة في منتصف فبراير 2009م. وقد اجتمعت في نيويورك اللجنة التنفيذية للمنظمة يوم 27 مارس الجاري، وأصدرت بيانا عبّرت فيه عن رفضها لقرار محكمة الجزاء الدولية وشجبت إزدواجية معاييرها، وأكدت احترامها الكامل لسيادة السودان واستقلاله ووحدة أراضيه. وطالبت اللجنة كذلك باحترام حصانة رؤساء الدول المنصوص عليها في اتفاقية فيينا عام 1961، ودعت مجلس الأمن الدولي لتعليق طلب محكمة الجزاء تعليقاً نهائيا، ودعت المحكمة إلى تنسيق أعمالها في هذا الشأن مع المنظمات الجهوية والإقليمية كالجامعة العربية والاتحاد الإفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز وغيرها. وساهمت المنظمة في كل مراحل العملية السياسية في الصومال، بما فيها مفاوضات جيبوتي. وإذ نتقدم بالعرفان والشكر للأمم المتحدة ولدولة جيبوتي على ما أبدته من نفس طويل، وجهود حميدة، فإننا نجدد التهنئة للرئيس شيخ شريف أحمد، ونناشد بقية الأطراف الصومالية للانضمام إلى العملية السلمية لإعادة هذا البلد الشقيق إلى عهود السلام والوئام والتنمية. وعلى صعيد آخر، لا يسعني إلا أن أذكّر بما بات يعاني منه المسلمون من تعاظم الحملات المغرضة ضد الإسلام والمسلمين في الغرب، والتي أخذت تتخذ منحى خطيرا يهدّد حقوق المسلمين كافة ويشوه عقيدتهم، ويتطاول على مقدساتهم، بكيفية غير مسبوقة. ومع أننا نبذل قصارى جهدنا لدرء هذه الشرور على مستوى الحكومات الأوروبية والمنظمات الدولية المختصة ومراكز الأبحاث والدراسات في الغرب، فإننا بحاجة ماسة إلى دعمكم المعنوي والسياسي، ومناصرتكم لنا في هذا المجال المصيري، وهذا ما لا نشك فيه. بل نحن واثقون في أنكم بحكمتكم، وسامي تقديركم، ستتمكنون من أن تقودوا الأمة العربية لدرء الأخطار عنها مهما كانت، ولتذليل الصعوبات للخروج من ظروفها الصعبة الراهنة. وندعو الله أن يوفقكم لاتخاذ القرارات الصائبة التي تضمن رفعة شأن العالمين العربي والإسلامي، وتعزيز مكانتهما، وتحقيق تطلعات شعوبهما إلى التقدم والازدهار والعزة والكرامة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.